التقدم في الحرب على الفقر

بلغت حرب أميركا على الفقر عامها الخمسين أخيرا، وخلص الكثير من الأفراد إلى النتيجة نفسها التي ذكرها الرئيس ريغان من قبل: «خضنا حربا ضد الفقر، وانتصر الفقر علينا».

هذا الافتراض يمثل شكا صائبا في كوبونات الغذاء، والزيادات المحدودة في الأجور ومد إعانات البطالة. وقد نشر قارئ يدعى فرانك على صفحتي على «فيس بوك» رسالة قال فيها: «كل المساعدات الحكومية والإعانات في العالم لن تصنع آباء أفضل. هذا هو السبب في أن كل الأفكار التي تقدم بها اليسار، على الرغم مما تتسم به من نوايا طيبة، لم تنجح، وضاعت كل هذه المساعدات هباء».

بيد أن نظرة فاحصة على الأدلة تشير إلى أن مثل هذا الرأي غير صحيح تماما. والواقع أن الدرس الأول من الحرب على الفقر هو أن نتمكن من إحراز تقدم ضد الفقر، ولكن ذلك مرتقى صعب للغاية.

تشير التدابير بالغة الدقة، اعتمادا على أرقام مكتب الإحصاء التي تأخذ في الاعتبار الإعانات، إلى أن معدلات الفقر قد انخفضت بمقدار الثلث منذ عام 1968. وهناك إجماع على أنه لولا الحرب على الفقر لرفعت القوى الأخرى (مثل السجن الجماعي، ارتفاع الأمهات العازبات والتراجع في النقابات المهنية) الفقر بنسب أعلى بكثير.

وتشير دراسة أجرتها جامعة كولومبيا أنه لولا الإعانات التي تقدمها الحكومة لارتفع معدل الفقر بنسبة 31 في المائة في عام 2012 في الواقع، وأن هناك نحو 27 مليون شخص يخرجون من الفقر سنويا من خلال البرامج الاجتماعية التي جرى تنفيذها بين عامي 1968 و2012، وفقا لمجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للبيت الأبيض.

لعل أفضل مثال على كيفية نجاح برامج مكافحة الفقر الحكومية هي تلك التي تقوم على المسنين. ففي عام 1960 كانت نسبة الفقراء بين كبار السن من الأميركيين 35 في المائة، لكن هذه النسبة انخفضت في عام 2012 إلى 9 في المائة؛ ذلك لأن كبار السن من المواطنين يحق لهم التصويت، لذلك استمع السياسيون لهم ودعموا برامج مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

في المقابل، فإن الأطفال الذين لا يتمتعون بحق التصويت كانوا الفئة العمرية الأكثر عرضة للفقر اليوم. وهذا فشل عملي ومعنوي.

أنا لا أريد لأي شخص أن يكون فقيرا، ولكن، إذا كان لا بد لي من الاختيار، ينبغي أن تكون الأولوية لمساعدة الأطفال لا كبار السن، لأنه عندما يحرم الأطفال الفرص، سيكون من بين عواقب ذلك الفشل التعليمي والجريمة والبطالة المقنعة، وهو تؤكد عليه أبحاث علم الأعصاب؛ لأن نمو المخ في وقت مبكر تنعكس نتائجه على حياة الشخص، وتشير أبحاث دراسات الإنسان والحيوان على حد سواء إلى أن الطفولة التي تتسم بتوتر شديد تؤثر على المخ بصورة تؤدي إلى ضعف الأداء التعليمي والحياة المستقبلية.

وتظهر المراجعة الدقيقة لبرامج الفقر في الكتاب الذي صدر تحت عنوان «تراث الحرب على الفقر» أن الكثير منها كان لها تأثير واضح ـ رغم أنها لم تكن بالحجم المتوقع الذي كان يطمح إليه المدافعون عنها.

يأتي بين البرامج الاجتماعية الأساسية التي حققت نجاحا برنامج مساعدة تنظيم الأسرة للفتيات المعرضات للخطر في سن المراهقة. وقد كان هذا في الواقع واحدا من أنجح البرامج الاجتماعية في أميركا خلال السنوات الأخيرة، الذي أسهم في انخفاض معدل المواليد في سن المراهقة بمقدار النصف تقريبا خلال السنوات العشرين الماضية.

هناك مجموعة أخرى من البرامج الناجحة بشكل كبير يأتي من بينها برامج تدريب الأمهات الحوامل على الحد من تناول الخمور والتدخين وتشجيع الأمهات المعرضات للخطر إلى التحدث إلى أطفالهن بشكل أكبر. كما حققت برامج مثل شراكة الأسرة – الممرضة، عائلات أميركية صحية، وتشايلد فرست، ومنظمة أنقذوا الأطفال ومشروع ثلاثون مليون كلمة، نجاحا كبيرا في مساعدة الآباء والأمهات على القيام بجهد أفضل مع أطفالهم.

وبالمثل كان للتعليم المبكر أثر قوي؛ فقد أشار المنتقدون إلى أن مكاسب برنامج هيد ستارت، على سبيل المثال، أخذت في التلاشي في غضون بضع سنوات. هذا صحيح ومخيب للآمال. ولكن الدراسات التي أجريت خلال السنوات الخمس الماضية والتي أجراها علماء مثل ديفيد مينغ، أشارت إلى أن خريجي هيد ستارت قادوا حياة جيدة، تمثلت في ارتفاع خريجي المدارس الثانوية وارتفاع معدلات الحضور في الجامعة، وتراجع معدلات التسرب من المدارس وترك العمل.

من بين مجالات النجاح الأخرى، هناك البرامج التي تشجع التقدم للحصول على فرص العمل، وخاصة بالنسبة للفئات الأكثر عرضة للخطر. وكذلك الإعفاء الضريبي على الدخل الذي يمثل مكسبا كبيرا للفقراء والعمل للمجتمع.

وبالمثل، كان لبرنامج أكاديميات التدريب المهني نتائج ممتازة مع المراهقين المعرضين للجنوح في تدريبهم على مهن متخصصة ومنحهم الخبرة العملية. حتى إنه بعد ثماني سنوات، كان الشباب الذين حضروا أكاديميات التدريب المهني يحصلون على رواتب أعلى من الأفراد في المجموعات الضابطة.

ربما كان المنتقدون محقين في أنه من الصعب مكافحة الفقر وأن الاعتماد على الحكومة يمكن أن يمثل مشكلة. ولكن فرضية المعارضة الكبيرة اليوم لكوبونات الغذاء والإعانات الأخرى، وأن فشل المساعدات الحكومية أمر حتمي، اعتقاد خاطئ؛ لأن فقر الأطفال أمر غير معقول بالنسبة لدولة غنية اليوم كما كان عليه الحال قبل نصف قرن.

السابق
إنهاء معاناة السوريين
التالي
بين وحشية النظام والمجموعات الراديكالية