إنهاء معاناة السوريين

من النادر أن يحقق مؤتمر للسلام السلام الفوري، لكن قلة من مؤتمرات السلام بعثت بمثل ذلك التفاؤل الضئيل، مثل المؤتمر الذي يخطط لعقده يوم الأربعاء في مونترو في سويسرا لمناقشة القضية السورية. وكما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: «هناك الكثير من الشك» حول ما إن كان سيمكن تحقيق تقدم. إن كان السلام بعيد المنال فيجب أن يستعيد المؤتمر، على أقل تقدير، الحدود الإنسانية الدنيا لممارسة الحرب. ويعني ذلك معالجة الوضع الإنساني البائس للمدنيين السوريين العالقين بسبب القتال بلا غذاء ولا رعاية صحية ولا تعليم ولا أمل.

كثيرا ما توصف المشكلة بأنها مشكلة دخول وكالات الإغاثة الإنسانية. ولكن هذا يشبه وصف من يعاني الخنق بأنه يعاني عدم حصوله على الهواء. المسألة أكبر من ذلك: يواجه الشعب السوري حصارا شاملا.

تعرض أكثر من تسعة ملايين مواطن سوري للتشريد من منازلهم. ودمر أو أتلف ثلث مجموع المنازل في البلد. وتضررت الخدمات العامة بشكل كبير. فحتى الشهر الماضي سوي 40 في المائة من المستشفيات بالأرض وتضرر 20 في المائة منها بدرجة كبيرة، واضطر نحو مليوني طفل لترك الدراسة العام الماضي.

لدى الأمم المتحدة أفضل تقديرات الاحتياجات الحادة. وحسب تقارير الأمم المتحدة فإن 250 ألف شخص منقطعون تماما في المناطق المحاصرة في حمص وحلب ودمشق الكبرى، كما أن 2.5 مليون شخص يصعب الوصول إليهم في مناطق مثل الحسكة.

ليس من الصعب أن نفهم لماذا تستخدم القوات الحكومية الحصار سلاحا، فالمجموعات المعارضة يقاتل بعضها البعض، والمدنيون محاصرون في الوسط. في الواقع يقتل المدنيون العزل حيث يقوم القناصة باستهداف النساء والأطباء، كما تتعرض الضواحي للقصف.

ساعدت لجنة الإنقاذ الدولية في توفير الرعاية الصحية لنحو مليون سوري خلال النزاع. لكن السوريين يحرقون الملابس ليحصلوا على الدفء. وأفتى العلماء بجواز أكل القطط والكلاب. وانتشر مرض شلل الأطفال.

يجب تناول هذه المسائل في مونترو مع خطط عملية للتطبيق والمحاسبة.

أولا، الالتزام بالقانون الدولي الإنساني الذي يحكم النزاعات المسلحة ضرورة وليس خيارا لكل من الحكومة السورية والمعارضة. واستهداف المدنيين والمرافق الطبية وعمال الإغاثة غير مشروع، ويجب تحديه من قبل مناصري الطرفين.

ثانيا، حدد البيان الرئاسي للأمم المتحدة بتاريخ 2 أكتوبر (تشرين الأول) مسؤوليات جميع الأطراف بالسماح بتدفق الإغاثة والمساعدات الطبية. لكن لم يلتزم بذلك، مما وضع الأمم المتحدة والدول الأعضاء موضع السخرية. ودعمت جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بما فيها روسيا والصين، بيان الأمم المتحدة. فإن جرى تجاهل القرار فيجب مواجهة تلك الدول لدعم قرار ملزم من قرارات الأمم المتحدة.

ثالثا، هناك حاجة لفقرة خاصة للوصول للمجتمعات المحاصرة. وعلى أطراف النزاع تعيين مندوبين مفوضين للتفاوض حول ممرات للإغاثة وعبور المدنيين عبر خطوط النزاع. هناك خبرة من أفغانستان وحتى السودان في التفاوض لتوصيل المساعدات الإنسانية خلال الحروب الأهلية. ولدى الأمم المتحدة مجموعة من مستوى عال من الدول الأعضاء تعمل تحت رعاية مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ويجب أن يكون ضمان وصول الإغاثة لأولئك الجوعى الخائفين مثار اهتمام تلك المجموعة المباشر.

رابعا، يجب أن يكون مصير حلب هو اختبار التقدم. فحلب هي أكثر مدن سوريا ازدحاما بالسكان، إذ يكتظ فيها مليونا نسمة. وهي مدينة مقسمة الآن، ولذلك فهي بالضبط موقع لخطوط النزاع يختبر الإنسانية على جانبيه.

تمثل حلب لسوريا ما مثلته سراييفو للبوسنة، فإن كان لسوريا أن تستعيد هدوءها وجمالها يوما ما، فيجب إنقاذ هذه المدينة من الانحدار إلى الجحيم.

وإن لم يحدث شيء من كل هذا فسيكون الثمن باهظا وسيدفعه الشعب السوري في صورة الأمراض المتفشية والموت والدمار. وستدفعه المنطقة بانتشار المزيد من اللاجئين في بلدانها مما يقلل من مقدرة تلك الدول على استيعابهم. وسيدفعه العالم بأسره بتنامي الراديكالية السامة. من السهل الحديث عن إرهاق المانحين وعدم مقدرتهم على تقديم المزيد والظروف الطارئة المعقدة، وعدم توفر الخيارات الجيدة. لكن كل ذلك ليس عذرا لعودة العصور المظلمة في قلب الشرق الأوسط.

السابق
حارة حريك مكرّر: إنها الســعوديـة مجدداً
التالي
التقدم في الحرب على الفقر