مسيحيو 14 آذار يُلدغون من الحريري… مجدداً!

يحاول مسيحيو الرابع عشر من آذار الالتفاف حول بعضهم بعضاً، ظنّاً منهم أنهم بذلك يُحاصرون الرئيس سعد الحريري ويضغطون عليه ويُحرجونه في موضوع الحكومة. بيد أن هؤلاء غير قادرين على المضي في اللعبة الى ما لا نهاية، فكما تقول مصادر آذارية، ثمّة مسلّمة يعرفها الجميع، وهي أن «مسيحيي 14 آذار الذين يستخدمهم الحريري وقوداً في لحظة الصدام، ويضحّي بهم في لحظة التسوية، يحتاجون إلى الرجل أكثر ممّا يحتاج إليهم، ما دام كرسي رئاسة الجمهورية هو الذي يتحكم في خياراتهم».

بعبارة أخرى، أكثر صراحة، «مهما صارع هؤلاء، فلا بد أن ينصاعوا في النهاية لتوجيهات التيار المستقبل، لاعتبارات عدّة، أبرزها أن الحريري يرأس أكبر كتلة برلمانية يحتاج أي مرشح رئاسي من 14 آذار الى أصواتها لحظة الاستحقاق».
لا يكفي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن يرسم على وجهه ابتسامة عريضة أثناء لقائه موفد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ايمانويل بون، كي يقتنع الفرنسيون بأنه مطمئن، كما لن يُساعده شرحه المفصل عن العقبات التي ستمنع «ولي الدم» من المشاركة مع حزب الله في حكومة واحدة، على إقناع أصدقائه الغربيين بأنه ممسك بالأمور. مهما حاول قائد معراب تسويق ثقته بالشيخ سعد الحريري، فلن يفلح في ستر النتوءات التي تظهر في الجسم الآذاري. ما قاله الحكيم أخيراً عن «أننا ما زلنا في مرحلة المشاورات والمفاوضات في موضوع الحكومة» يكاد يكون غيمة عابرة في سماء تيار المستقبل الذي أعلن رئيسه، من لاهاي نفسها، نيته الجلوس مع حزب الله. سمير جعجع، إذاً، في ورطة!
ويستطيع النائب سامي الجميل تخصيص ربع ساعة أو أكثر، قبل سفره إلى لاهاي، للاتصال بجعجع مؤكداً له مقاطعة حزب الكتائب الحكومة، حتى لو شارك الحريري فيها، ولإبداء تأييده موقف رئيس القوات بأن تأليف حكومة حيادية هو الحل في هذه الظروف. بعد ذلك، سيؤكد الشيخ سامي أن «شكل الحكومة لا يعنينا، بل المهم هو برنامج عملها». ربما وصلت إيجابية الحريري إلى مسامع الجميل الابن قبل اللبنانيين، ما دفعه إلى إمساك العصا من نصفها، كما في كل مرة. آل الجميل، إذاً، في حيرة من أمرهم!
ويمكن الوزير بطرس حرب التغلب على كل الحساسيات التي نشأت بين معراب ومستقلي 14 آذار بعد «زومة» القانون الأرثوذكسي، والتفيؤ ولو في ظل وردة في حديقة جعجع، ما دام الحريري مستعّداً لاستبدال شعار «لبنان أولاً» بـ «الحكومة أولاً». أمام «التنازلات الحريرية»، يرى حرب في الهروب إلى معراب، والتحالف معها من جديد، حلاً وحيداً لمواجهة تخلّي الحريري عن سقف المطالب الذي رفعه فريق الرابع عشر من آذار في موضوع الحكومة، وأهمها انسحاب حزب الله من سوريا. حزب الله لم ينسحب، لكن الحريري يمكن أن يشاركه. بطرس حرب هو الآخر في مشكلة …
في ذروة الصراع، ترك الحريري حلفاءه يتخبّطون. حديثه من على هامش المحكمة عن المشاركة في الحكومة، أدى إلى استنتاجات مستندة الى تسريبات، مفادها بأن «المفاوضات التي يجريها فريق الحريري مع الطرف الآخر لتأليف الحكومة في مكان، وحلفاؤه جميعاً في مكان آخر». حتّى إن ثّمة من بدأ يجزم داخل كواليس الآذاريين بأن «الأمور ذاهبة نحو التأليف، بمشاركة الحريري حتّى لو رفض حلفاؤه».
بذلك سيتجاوز الحريري الشراكة المسيحية ــــ الإسلامية، بحسب المصادر نفسها. بعدها «لا يظنّن أحد أن وحدة فريق 14 ستبقى مُصانة»، ولا سيما أن موضوع السلطة التنفيذية ليس تفصيلاً. الكارثة إن فعلها، ضارباً عرض الحائط بحقيقة أنه «ملزم بأن يكون لديه شريك مسيحي في البلد». تؤكّد المصادر أن «الحريري لا يُمكنه الدخول في تسوية حكومية، إلا في حالتين: إما بأمر سعودي، أو لمصلحة شخصية سيجنيها من تنازلاته». حتّى اللحظة، تقول معلومات المسيحيين الآذاريين إنه «لا كلمة مرور سعودية في موضوع الحكومة»، وإن «كل ما في الأمر، أن الرياض قررت ترك الخيار لفريقها في لبنان، لعمل ما يراه مناسباً. إذا، يعمل الحريري من أجل نفسه لا من أجل فريقه! مع ذلك، في معراب وبكفيا، ثمةّ من لا يزال مقتنعاً بأن المفاوضين في تيار المستقبل يحاولون انتزاع مطلبين: تضمين البيان الوزاري اعلان بعبدا، وحذف كلمة مقاومة، تحت عنوان تحسين شروط المواجهة مع حزب الله».
يعوّل الجناح المسيحي في 14 آذار، بحسب مصادره، على «السنية السياسية التي استكملت ما بدأته المارونية السياسية في مواجهة الوصايتين السورية والإيرانية». يتمنّى هؤلاء لو «يعود الرئيس الحريري عن قرار مشاركة حزب الله في حكومة واحدة قبل عودة الحزب إلى الدولة اللبنانية وطبقاً لشروطها بالكامل». باختصار «يخاف هذا الجناح أن يُلدغ من الحريري مرّة ثانية، بعدما فعلها الرجل في موضوع قانون اللقاء الأرثوذكسي، حين وضع مصلحة تيار المستقبل فوق مصلحة شركائه، وأجبرهم على الانصياع له»، لكن، برغم ذلك، فإن أحداً لن يجرؤ على رفع نبرته. بصراحة «ليس في مصلحة جعجع والجميل وحرب الذهاب في مواجهة مع تيار المستقبل حتى النهاية»، بدليل أن «قائد معراب لم يطلق موقفاً مدوياً من تصريحات الحريري الأخيرة». وطبعاً لن يفعل ذلك، لا الجميل ولا حرب، ولا كل من يرى في نفسه مشروع رئيس جمهورية في المرحلة المقبلة. لذا يعتمد هؤلاء في ردودهم على «شراء الوقت وبيع مواقف يمكن التنازل عنها وقت الجدّ لمصلحة الحريري». جميعهم يعلم أن «الشيخ» يخاطب حلفاءه بما يتصدر قائمة أولوياتهم ومخاوفهم. يغدق عليهم بما لذ وطاب من الوعود. يداعبهم بما بقي لهم من شعارات وطنية كبيرة. يعطي كلاً منهم ما يطرب له من تعهدات، يستطيع أن ينسفها في «ليلة ما فيها ضو قمر». فرضى الرجل يعني قطع نصف الطريق الى بعبدا، كما أن «ارتباطه السعودي لا يُمكن تجاهله».
أما الأهم من ذلك كلّه، فهو القناعة الراسخة عند بعض المسيحيين الآذاريين بأن «الحريري، وبرغم تقاطعه في الموقف السيادي معهم منذ عام 2005، يشعر بأنه غير مرتاح بوجوده مع جعجع والجميل في حلف واحد». الرجل، كما والده، «يجد أن بيئته الطبيعية مكانها بين الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط، حيث تعوّد الثلاثي صوغ التسويات بما يناسب أحجامهم وأوزانهم». هذه القناعة عبّر عنها جعجع أمام زواره أخيراً، معبّراً عن استيائه من رفض الرئيس فؤاد السنيورة الذي زاره أخيراً التقاط صورة للقاء ونشرها في وسائل الإعلام!

السابق
سعد الحريري: عودة إلى الدولة..
التالي
مصادر بري: جماعة عون يئنون