مقلّد: ثقافتنا يدمرها الشحن المذهبي

محمد علي مقلد
"الوضع الثقافي في الجنوب أكثر مأساوية من المناطق اللبنانية الأخرى"، يقول الدكتور الجامعي محمد علي مقلد وهو أحد مثقفي الجنوب المعروفين: "المثقف الحقيقي استمرّ على مسافة نقدية من البُنى السلطوية"، يقول في حديث خاصّ لـ"جنوبية".

تركت الأزمة اللبنانية المستمرة أثاراً سلبية على الوضع الثقافي بشكل عام وعلى الوضع الثقافي في الجنوب بشكل خاص، أدت إلى تراجعه وتراجع دوره النقدي، وقد التقت “شؤون جنوبية” الأستاذ الجامعي الدكتور محمد علي مقلد وهو أحد مثقفي الجنوب المعروفين.

يقول مقلد: في ظل الوضع الذي يتسم بعدم الاستقرار، لا بد أن يشهد الوضع الثقافي تراجعاً ملحوظاً، ويمكن ملاحظة ذلك من انطباعات المثقفين في معرض الكتاب السنوي، ومن الإحصاءات التي تشير إلى تدني نسبة القراء، وهي ظاهرة تتفاقم مع تفاقم الوضع السياسي، وتدهور الوضع الأمني وازدياد الصعوبات الاقتصادية، ومع تطور وسائل الاتصال والتواصل التي دفعت الكتاب الورقي إلى درجة ثانية من الاهتمام.

وعن الوضع في الجنوب، يوضح مقلد: في الجنوب الوضع أكثر مأساوية، ويمكن القول أن الأزمة الثقافية تتجسد أكثر في الجنوب، لأن سيطرة الشيعية السياسية على مفاصل الحياة كلها في الجنوب، ضيقت الخيارات المتاحة أمام التطور الثقافي عموماً، بل إنها دمرت القيم الثقافية التي كانت سائدة قبل عقدين أو أكثر في الجنوب. ويضيف: لقد تضاءل عدد المبدعين، كادت تختفي أسماء الشعراء والرسامين والنحاتين. وصار الجنوب يقتات من تراثه القديم من الدواوين التي تركها شعراء بدأوا ينتجون في سبعينات القرن الماضي مثل شوقي بزيع، عباس بيضون وحمزة عبود وغيرهم…

ويشير مقلد إلى منحى آخر من مناحي الثقافة قائلاً: وهناك الثقافة غير المكتوبة، المتعلقة بالعادات والقيم والطقوس اليومية، وأشكال الاحتفالات في الحزن وفي الفرح، بالموت والأعراس، كلها استبدلت بالتقاليد الكربلائية. وباتت تجارة الموت رائجة في كل المناسبات، بما فيها تلك التي تتطلب مناخاً من الفرح، وتحولت أعياد الميلاد مثلاً كما الأعراس إلى مناسبات تتلى فيها مجالس العزاء الحسيني، وأضيفت عليها عدداً آخراً من المناسبات المبتكرة كالزينبيات والفاطميات، وباتت المنابر الإعلامية في الجنوب (مكبرات الصوت) أداة يومية لبث نوع جديد من الثقافة الدينية القائمة على التعصب والشحن المذهبي والطائفي بديلاً عن تلك التي شهدها الجنوب في منتصف القرن الماضي، وتميزت بالاعتدال والانفتاح والرغبة في تأمين أفضل الشروط للانصهار الوطني.

وعن الوضع التعليمي، يوضح مقلد: لقد تدهورت أحوال الجامعة اللبنانية عموماً وكذلك حالة التعليم الرسمي، ولم يعد العلم معياراً أساسياً للترقي الاجتماعي بل سادت، بديلاً عن الشهادة الأكاديمية، قيم أخرى لها علاقة بالاستزلام والتزلف، والبحث عن الشفاعة والوساطة لدى النافذين من أولي الأمر.

وعن مفهوم المثقف يوضح: لا يسمى مثقفاً من يرتبط اسمه بزعامة سياسية، ومن لا يتدخل في الشأن العام في إطار نقدي. ومن لا ينطبق عليه هذه المواصفات يسمى متعلماً، والفرق كبير بين المتعلم والمثقف، لذلك برزت ظاهرة على نطاق واسع وقوامها لجوء عدد من المحسوبين على قطاع المثقفين وغالبيتهم يعملون في التعليم الرسمي الثانوي والجامعي إلى الارتماء في أحضان الزعامات السياسية للتكسب، فصار نعت الوصوليين ينطبق عليهم أكثر من نعت المثقفين. المثقف الحقيقي استمر على مسافة نقدية من بنى السلطة السياسية وزعاماتها وحتى من القيادات الحزبية التي كان ينتمي إليها ويعمل معها، وهؤلاء ما زالوا موجودين في المجتمع. لكن تأثيرهم تقلص ليحل محلهم رجل الدين أو العاملون عموماً في الحقل الديني بما في ذلك قراء مجالس العزاء.

وعن رؤيته للخروج من هذا الوضع يرى مقلد: لا أمل في الخروج من هذه الأزمة إلا بإحداث تغيير نسبي أولاً، ثم جذري في الوضع السياسي القائم بحيث يعاد الاعتبار لمبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، وعلى رأس معايير الكفاءة، المستوى العلمي والثقافي. وهو أمر مرتبط بعودة مؤسسات الدولة، وإعادة الاعتبار لسلطة القانون، وحل ذلك مرتبط بظروف إقليمية ولا سيما منها ظروف الصراع داخل العالم العربي بين الربيع العربي وأعدائه.

السابق
لبنان المناطقي والمنقسم ينسى مدينة الهرمل
التالي
الجيش أوقف في زحلة 4 بريطانيين من اصول اسلامية متشددة