العونيون وأحلام التوزير..

لا حكومة والعماد ميشال عون خارج لبنان. ثابتة عونية أتت ردّاً على من روّج لخروج التشكيلة الوزارية المتوافق عليها الى النور في الساعات الماضية. مع عودة «الجنرال» من الفاتيكان تصبح «شائعات» التأليف الوشيك أكثر واقعية.

قبل روما لم يُستشر عون بالتفاصيل، بل بالعموميات التي لا تطعم «خبزاً» حكومياً. بعد روما، وقائع المداولات المكوكية ستظهر مدى حرص الحلفاء على مراعاة شروط الرابية لولادة تركيبة طال انتظارها.

عملياً، في البيت الداخلي البرتقالي ثمّة ما يشغل بال العونيين أكثر بكثير من شكل الحكومة، وبيانها الوزاري، وتوزيع الحقائب فيها. المحازبون يسألون «هل سيزاركنا أصدقاء التيار مرّة جديدة على طبقنا؟».

في الاشهر الاولى للتأليف، كانت صيغة الـ24 وزيراً هي الأكثر تداولا. يومها أدلى عون بدلوه ووافق الحلفاء. أربعة وزراء لـ«التيار الوطني الحر». لم يتمّ التطرّق الى الحقائب أو هوية البرتقاليين الذين سينضمّون الى رابع حكومة عونية بعد العام 2005، تاريخ عودة «الجنرال» من المنفى، لكن بالتأكيد «فرفك» العديد من المحسوبين على «التيار الوطني الحر» قلبا وقالبا أيديهم طمعا بردّ جميل نضالهم في الشوارع وغرف النضال السرية، وبعضهم لالتصاقه بـ«المعلّم» والعمل بتوجيهاته بأمانة، ولعبه أدوارا سياسية ومؤثّرة خلال أيام المنفى الباريسي وبعدها.

مع صيغة الثلاث ثمانيات لا مجال رحبا للأحلام الوزارية الوردية. واقع يقي «التيار» مؤقتا من إرباك داخلي كان قد شهده سابقا مع ولادة حكومتي سعد الحريري ثم نجيب ميقاتي.

الخطوة الاولى في التحاق العونيين بقطار السلطة، على عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في تموز 2008، جاءت شبيهة بطموحات الراغبين بالانتقال من العمل السرّي غير الرسميّ الى لغة المنابر والمشاركة في رسم أساسات القرار السياسي: جبران باسيل وزيرا للاتصالات، ماريو عون وزيرا للشؤون الاجتماعية، وعصام ابو جمرا نائبا لرئيس مجلس الوزراء.

الثلاثة يحملون «بروفيل» عونيا خالصا، وإن انقلب بعدها ابو جمرا على خيارات ميشال عون. تنفّس المحازبون الآخرون الصعداء، مفترضين أن السبحة ستكرّ في الحكومات الآتية. لكن لا في الحسابات النيابية صحّت توقعاتهم ولا في الحسابات الوزارية.

أصدقاء «التيار» دخلوا بقوة الى دارة «الجنرال» ليأخذوا من درب «من هم أولى بالمعروف». هي العبارة التي تكرّرت على ألسن العونيين، تحديدا منذ تشرين الثاني 2009 تاريخ ولادة حكومة سعد الحريري الثلاثينية.

الى جبران باسيل، ثابتة الرابية في الحكومات، انضمّ شربل نحاس وفادي عبود الى قائمة وزراء «التيار الوطني الحر» حاملين بطاقة «الأصدقاء». الاول عيّن وزيرا للطاقة، الثاني للاتصالات، والثالث وزيرا للسياحة.

عدوى الاتكاء على عصا «الأصدقاء» امتدّت الى حكومة نجيب ميقاتي الثلاثينية. بقي نحاس وعبود ضمن تركيبة الرابية «السلطوية» الى جانب باسيل ونقولا صحناوي وغابي ليون العونيين، إضافة الى شكيب قرطباوي صاحب الملامح العونية والمقرّب من الرئيس نجيب ميقاتي. لاحقا حلّ سليم جريصاتي، صديق اميل لحود و«حزب الله»، محلّ نحاس «المشاغب والمتمرّد».

ثمّة من العونيين من يؤكّد اليوم ان فادي عبود لن يعيّن مجدّدا، ليس فقط وزيرا للسياحة، بل في أي حكومة جديدة. شربل نحاس «المحبوب» في صفوف شريحة واسعة من البرتقاليين، خرج من دون ان يتمكّن «التيار» من الاستفادة من قدراته، كما يجزم هؤلاء.

لن توفّر صيغة الـ8-8-8 ترف ولادة حكومة بوجوه عونية جديدة. الخيارات محدودة وضيّقة. هناك وزيران فقط لـ«التيار الوطني الحر».

ووفق تأكيدات مقرّبين من عون، فإن قصر عمر هذه الحكومة، في حال ولادتها قريبا، لن يسمح بالمداورة في الحقائب، تماما كما لم يكن هذا الامر مقبولا قبل أكثر من تسعة أشهر، وبالتالي فإن الحقيبتين الاساسيتين وهما الطاقة والاتصالات ستبقيان بيد باسيل (ماروني) وصحناوي (كاثوليكي). أما اذا كانت حصة «التيار» مارونيا وأرثوذكسيا فمروحة الخيارات ليست ضيّقة.

ستكون حكومة انتقالية اذاً، وفق الرابية، لا تحتمل القرارات النوعية، لا في الأسماء ولا في الحقائب. صحيح ان المعنيين بالطبخة الوزارية لم يناقشوا «الجنرال» بالتفاصيل، إلا ان واقع عمر الحكومة العتيدة سيكون ربع المدّة التي استغرقتها عملية التأليف، فلن يكون واردا أن يتخلّى ميشال عون عن مكتسبات «المصلحة العامة»، وليس مكتسبات «التيار الوطني الحر».

بهذا المعنى، تقول اوساط «التيار»، لن يكون هناك فائدة في تسليم الطاقة مثلا الى أي وزير آخر، حتى لو كان ميشال عون نفسه، في هذه الفترة الانتقالية، ما دام باسيل أثبت جدارة كبيرة في إدارة هذا الملف الشائك.

لن يقبل رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» بتطبيق مبدأ المداورة، وفق أوساطه، إلا بعد حصول الانتخابات الرئاسية، ثم انتخابات نيابية تلغي مفاعيل التمديد لمجلس النواب، ليصار بعدها الى تعيين حكومة جديدة.

الأنظار العونية ستتّجه أكثر اذا صوب الحكومة «الطبيعية» وليس الاستثنائية بمدّتها وظروفها. كل النواب الحاليين سيوفّرون على أنفسهم همّ السعي لدخول السرايا، انسجاماً مع الاقتراح المقدّم من بعض نواب «التيار» منذ العام 2008 حول فصل النيابة عن الوزارة.

في السابق طرحت حالة الوزير باسيل إشكالية ضمن «التيار» وخارجه، مع ترشّحه للانتخابات النيابية، وقد اعترض عون نفسه على مبدأ توزير غير المرشّحين للانتخابات. لكن أوساطا مقرّبة من رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» تجزم بأن عون سبق ان أبلغ باسيل قائلا له «اذا انتخبت نائبا فلن تكون وزيرا».

ومع استبعاد النواب العونيين من الجنّة الحكومية، يبقى على اللائحة العديد من القيادات والكوادر داخل «التيار البرتقالي» التي ترى أنها مؤهّلة وتتمتّع بالكفاءات اللازمة «لتبيّض» وجه الرابية تغييرا وإصلاحا، أكثر من «الأصدقاء» الذين سيعملون أكثر لتعزيز مواقعهم وحيثيتهم الخاصة.

يدرك العونيون أن «جنرالهم» لا يتحرّك ضمن أفق ضيق. يتفهّمون احتضانه لشخصيات تنتمي إما لنادي المتموّلين وملاعق الذهب، أو الساعين لمواقع، أو الطالبين لفرصة إظهار مقدّراتهم في خدمة الزعيم المسيحي الوطني وخدمة مشاريعه الاصلاحية.. وبالتالي همّ يستوعبون نظرية توسيع المروحة فقط من أجل إغناء «الحالة الإصلاحية».

لكن في النيابة، كما في الحكومة، لا يرون أن الأصدقاء «البدلاء» عن الأصيلين يملكون ما لا يملكه أصلا أهل «التيار»، وما على «الجنرال» سوى تفنيد السّير الذاتية لـ«أولاده».

في «التيار»، كما يقولون، مئة شربل نحاس وفادي عبود وسليم جريصاتي، وأهمّ منهم. لا يتحدّثون فقط عن الكفاءات والقدرات. هم يرغبون ايضا بأن يوسّع «جنرالهم» بيكار اختياراته الطائفية، ما دام هامش المناورة لدى ولادة الحكومات كبيرا و«مُلهِما». فما الضّير من المطالبة بوزير شيعي، أو بأرمني من خارج ثوب «الطاشناق»، أو حتى بسنيّ، ما دام «التيار البرتقالي» ليس تيارا مذهبيا بل عابر للطوائف؟

السابق
مصادر السفير: قبول 8 آذار بـ8-8-8 يدلّ على مرونتها
التالي
المحكمة الدولية تتحدّى الملل