عن أبو محمود الذي يعيش كما لو في 1914

الحاج حسن أمين نظر، "أبو محمود"، رجل ثمانيني، إبن بلدة عربصاليم في إقليم التفاح، فلاّح يعيش بين سهل وتلّ، يأكل من خير الأرض، ويشرب من ينابيع بلدته، ويداوي نفسه بأعشابها. لم تصله التكنولوجيا حتى الآن، لا يعرف عن "الإنترنت" و لا يريد، لا يأبه للكهرباء ولا للتلفاز، ولا يكترث لكل ما يحدث من ضجيج في العالم. لا يقرّ بتاريخ ولادته أو لا يعرف.

لا يشبه العيش في الأرياف حياة الصخب في المدينة، ولا يدرك من يتعامل مع التراب والبذور والشتلات والأشجار أنه بين يدي الله، حيث الصفاء الكامل، حيث أفكارك تغرد نحو السماء بصفة مجردة من كل الماديات، بعيدا عن المصالح.

 الهدوء يخيم على كل أحداث اليوم وكأنّ الساعة جهاز متطفل دخل إلى حياتهم، لم يعيروه أدنى إهتمام، هكذا هم الفلاحون، يداومون مع الشمس، ينهضون قبل الشروق، يزرعون قبل إشتداد الحرارة، ينامون وقت الأصيل، ويعودون أدراجهم مع الغروب.

لكل منهم حياة متشابهة، لا تختلف أحداثها عن الآخر، في طعامهم وشرابهم وحديثهم وفرحهم وحزنهم تشابه تام، والتمايز يكون في المحاصيل، في الخير…

 الحاج حسن أمين نظر، “أبو محمود”، إبن بلدة عربصاليم في إقليم التفاح، فلاّح يعيش بين سهل وتلّ، يأكل من خير الأرض، ويشرب من ينابيع بلدته، ويداوي نفسه بأعشابها. لم تصله التكنولوجيا حتى الآن، لا يعرف عن “الإنترنت” و لا يريد، لا يأبه للكهرباء ولا للتلفاز، ولا يكترث لكل ما يحدث من ضجيج في العالم.

“أبو محمود” رجل ثمانيني، لا يقرّ بتاريخ ولادته أو لا يعرف، لكن التجاعيد المنحوتة على وجهه تفضح بكثرتها عديد السنوات التي مرت صامتة كمرور الماء على صوان  بانسياب هادئ يحاكي الطبيعة بتغيراتها.

 لا تغيب عن ذاكرته سنوات الإحتلال الإسرائيلي، فقد أخذت منه فلذات الأكباد والسند،  بعد أن قدّم إثنين من أولاده شهداء ، ومع هذا عاش حياته دون صخب، أعطى بصمت كما يعطي كثيرون من أبناء الجنوب، عندما كانت الأيام تمر هادئة يكسر روتينها اليومي هلع من قذيفة هنا أو صاروخ هناك أو تحليلات عن حرب قادمة. كل هذه الأيام كانت تمر كغيرها دون إيقاع جديد، بكل ملل.

بعد عدوان تموز 2006 ، وقع الخيار على أبي محمود ليكون رمزا للصمود المقاوم ، وليجسّد في شخصه دور البطولة – كما يقول- ويظهر بشاربيه المفتولين وعصاه ، لينادي “عيتا” ومعها كل قرى الصمود ، صعد إلى المئذنة مرارا وتكرارا ليعيد المشهد، وصوت رفيق علي أحمد يصدح من فمه ، هكذا أتته الفرصة ليكون نجما، هو الذي لا يعرف عن الشهرة والاضواء شيئا، فأصبح أبو محمود إبنا بارّا لعيتا ، بعد أن عمّد بالدم برّه لجنوبه المقاوم وحمل منذ ذلك الحين لقب “أبو محمود عيتا”.

بعد عيتا بدأت مرحلة جديدة من حياته، سافر إلى مصر، إلى البحرين إلى بلدان عديدة مشاركا في احتفالات تكريمية، كرمز لذاك الجنوبي الصامد، وكان في كل ذلك يفرح  عند طلب أي شخص أخذ صورة تذكارية معه.

 أبو محمود الآن ، ينحاز إلى هدوء بلدته، يختار ما يأكله كإنتقاء الحمام لحبِّه، لأنه مدرك أن صحته تتأثر بنوع طعامه،  ومن أكلاته المفضلة، “البليلة”، كبة العدس، ” العصورة”، “ومزيت فول”، هو الذي لا يأكل اللحوم، لأن كل ما فيه ضرر، والحبوب هي حديد الجسم بحسب تعبيره.

يتشارك وزوجته في بيت متواضع بسيط، يقوم بواجباته اليومية من فلاحة وزراعة، لا يتوقف عن العمل “لأنه إذا توقف يموت” هكذا يقول، يزور الأقرباء ولا يترك مناسبة فرحة أو حزينة إلا ويكون أول الحاضرين.

أبو محمود عيتا، مسنّ من بلادي، يعيش في الظلّ، هدفه في الحياة سمعة طيبة وحبا من الناس، لا يكترث لمال أو جاه، يحفظ في ذاكرته موسوعة زراعية جمعها بخبرة إحتكاكه الدائم والمتواصل مع الأرض، فعرف الأحوال الجوية وعرف الأمراض الزراعية وعرف علاج النبات والحيوان، ولم يرض بإستعمال كل محدثات الأدوية و المواد الكيماوية والأسمدة الداعمة.

هؤلاء الفلاحون هم طيب هذه الحياة وجلستها الهانئة، قصصهم لا تنتهي عن الضباع والأفاعي وعن مغامراتهم بين مراعي القلعة او في الوادي السحيق. يستحقون إلتفات منا لأيام قضوها بعيدا عن كل ما يشغلنا من أحداث، فهنيئا لهم سعادتهم بأنفسهم.

السابق
مئات الملايين للنازحين السوريين… لكن هل ستصل؟
التالي
سامي الجميل: شكل الحكومة لا يهمنا بل برنامجها وبيانها الوزاري