توتر العلاقة بين اليابان والصين

أدت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لضريح ياسوكوني لتكريم ضحايا الحرب، إلى إثارة الغضب الشديد في الصين ومعظم الدول الآسيوية. ولا يتعلق الجدل المثار بما ترمز إليه زيارة آبي فحسب، بل إنه يتعلق بنواياه الخاصة بمستقبل اليابان ومدى رغبته في بناء وإضفاء جو من الثقة والاحترام والمساواة في منطقة شرق آسيا.

جدير بالذكر أن ضريح ياسوكوني يرمز لتكريم ضحايا الحرب، ومن بينهم 14 شخصا مدانا، من خلال المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، بارتكاب جرائم حرب من الدرجة الأولى في الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك رئيس الوزراء الياباني الأسبق هيديكي توجو، الذي شن هجوما على ميناء «بيرل هاربور» وبدأ الحرب في منطقة المحيط الهادئ التي أودت بحياة ملايين الأشخاص، فضلا عن الأشخاص المسؤولين عن مذبحة نانجنغ في الصين التي قُتل فيها حوالي 300 ألف شخص. بيد أن هذا الأمر مجرد جزء من الموضوع.

ولا يمكن الفصل بين هذه الزيارة الأخيرة وإنكار رئيس الوزراء للأعمال الوحشية التي ارتكبتها اليابان أثناء فترة الحرب، بالإضافة إلى مبادرته لمراجعة الدستور الياباني لتحويل قوات الدفاع الذاتي اليابانية إلى قوة عسكرية قادرة على ممارسة القوة خارج اليابان. إن هذا الوضع العدائي يجعل الأمن الإقليمي والازدهار الاقتصادي معرضا للخطر. وعلى النقيض من ذلك، فإن قبول اليابان لتقديم اعتذار بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها، سيؤدي إلى إرساء قاعدة وأساس للسلام والأمن في أكثر المناطق التي تشهد تحركا على المستوى الاقتصادي في العالم.

يعد ضريح ياسوكوني بمثابة نقطة بداية الانفجار فيما يخص وجهة النظر التي تشير إلى عدم إبداء الندم والاعتذار بشأن اعتداءات اليابان أثناء فترة الحرب. أُسس هذا الضريح في القرن التاسع عشر لتكريم ضحايا الحرب في اليابان. وأعطى هذا الضريح انطباعا بشأن البعد الروحي للنزعة العسكرية اليابانية والحكم الاستعماري أثناء الحرب العالمية الثانية، وصار رمزا مهما لهذه النزعة العسكرية. ويشتمل الضريح على متحف حرب «Yushukan»، بما يقدم سردا للحرب العالمية الثانية مع تمجيد مسألة «إنقاذ اليابان للدول الآسيوية من الحكم الاستعماري للدول الغربية» وإعطاء تفاصيل بشأن «الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة».

يعتبر توجه الحكومة اليابانية نحو هذا بمثابة اختبار لقدراتها على التعامل مع إرثها المرتبط بالنزعة العسكرية وجرائم الحرب وفهم ذلك الإرث. وبما أن آبي يشغل منصب رئيس الوزراء، فإن زيارته لها دلالات ومعان ضمنية داخل وخارج اليابان، حيث لا تعبر هذه الزيارة عن مجرد تصرف فردي على الإطلاق.

وبصفتي سفير الصين لدى اليابان خلال الفترة من عام 2007 إلى عام 2009، فقد شهدت الكثير من مراحل تحسن وتدهور علاقات اليابان مع جيرانها. وفضلا عن ذلك، فإنني رأيت كيف أدت زيارة ضريح ياسوكوني من قبل جونتشيرو كويزومي، رئيس الوزراء الياباني آنذاك، إلى توتر العلاقة مع الصين. وجدير بالذكر، أن آبي كان من ضمن الطاقم الوزاري في إدارة كويزومي، وكان يبدو متفهما في وقت من الأوقات لعواقب مثل هذه الزيارات. وامتنع آبي عن زيارة هذا الضريح أثناء فترة ولايته الأولى كرئيس وزراء، مما فتح الباب أمام تحسين علاقات اليابان، حيث تتسم تلك العلاقات بالتوتر على المستوى التاريخي، مع جيرانها. وللأسف، يعرب آبي الآن عن ندمه الشديد بشأن هذا القرار وتصرفاته الأخيرة، التي أدت إلى إغلاق باب الحوار.

وفي المقابل، تعتقد حكومة بلادي أن تصرفات آبي، منذ العودة إلى السلطة، تقوّض الهدف المراد بزيادة مشاركة اليابان في حماية السلام العالمي، حيث كانت جهود حكومته لتسريع وتيرة البناء العسكري لليابان ومبادرته لإعادة كتابة الدستور، الذي صاغته الولايات المتحدة بشكل كبير، مثيرة للقلق، ولا سيما في سياق تأكيداته – عند الحديث بشأن الحرب العالمية الثانية – على عدم تعريف وتحديد مصطلح «العدوان»، وعدم وجود أدلة لإثبات إجبار نساء على البغاء أثناء الحرب العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك، قال رئيس الوزراء الياباني إن التغييرات التي يجريها على الوضع الدستوري للجيش لن تجعل اليابان سوى مجرد «دولة عادية». وعليه، فهل يقصد آبي أن المسار السلمي الذي اتبعته اليابان ليس عاديا؟ إننا لا نعتبر زيارة الضريح سوى أنها تحد، ليس بالنسبة لنا فحسب، بل للعالم أيضا. لقد أدت النزعة العسكرية لليابان إلى التسبب في معاناة كبيرة للشعب الصيني، وكذلك الكثير من شعوب الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي اضطرت إلى الدخول في مواجهة منهكة – من جزيرة إلى الأخرى – مع خصم عنيد ومتعصب.

ومن المؤكد أن الشعب الياباني كان أيضا ضحية لهذه النزعة العسكرية اليابانية، كما أن الجيل الحالي ليس مسؤولا عن الجرائم التي ارتكبها مجرمو الحرب، الذين يجري إحياء ذكراهم في ضريح ياسوكوني، بيد أن رئيس الوزراء ومؤيديه يتحملون ضمنيا هذه المسؤولية أمام أنفسهم ومواطنيهم بسبب زيارة هذا الضريح.

ومن خلال التخلي عن هذه النزعة العسكرية، يمكن لليابان أن تحمل مستقبلا بناء لمنطقة شرق آسيا. وفي هذا الصدد، فإن ضمان السلام والرفاهية المستمرة لبلادنا يصب في مصلحة جميع شعوب ودول هذه المنطقة. وفي المقابل، فإن آبي يهدد المهمة الصعبة التي قمنا بإنجازها جميعا لجعل شرق آسيا هي محرك النمو للاقتصاد العالمي. ومن خلال الإنصات إلى جيرانهم والتخلي عن الخطب البليغة الصدامية، يمكن للقادة اليابانيين الانضمام إلى الصين والولايات المتحدة وجمهورية كوريا الجنوبية والدول الأخرى لمواصلة تحقيق الرخاء والاستقرار لجميع شعوب ودول آسيا. في حين يتعذر وجود بديل لذلك.

السابق
توتر امني في عين الحلوة
التالي
قبلان: الحفاظ على العمال يضمن الاستقرار والاطمئنان في البلد