المسيحيون و«التحالف الرباعي»: نســخة 2014

ليست المرة الاولى يواجه المسيحيون مسألة تهميشهم عن حدث بأهمية تأليف حكومة وطنية جامعة عشية انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، رغم ان قادة الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يكررون أن لهم دوراً اساسياً في المفاوضات الجارية، وان حلفاءهم لن يسيروا بالتسوية الحكومية الا بعد الاتفاق معهم.

بمعنى آخر، ثمة تحالف رباعي، بنسخة عام 2014، بدأ يرسم خطواته لانضاج تسوية حكومية، على خلفية التهدئة الايرانية ــــ السعودية، ويراد للمسيحيين ان يقتنعوا بأن لهم دوراً فيها: فالرئيس سعد الحريري لن يرضخ لمطلب السعودية بالذهاب الى «تسوية ما» الا بعد الاتفاق مع القوات والكتائب، ولن يوافق حزب الله على التشكيلة الحكومية التي يدوّر فيها الحزب زوايا الازمة برضى ايراني، الا بعد موافقة العماد ميشال عون.
لكن هذا الكلام لا يبدو مقبولا في اوساط سياسية مسيحية، حيث تلوح مجدداً صيغة التحالف الرباعي الذي سارت عليه البلاد عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. حين ادار النائب وليد جنبلاط محركات التسوية الداخلية على ايقاع الخروج السوري من لبنان، لتنضج حينها تسوية الانتخابات النيابية على اساس قانون انتخاب مخالف لتوجهات بكركي آنذاك.
منذ عام 2005، حتى اليوم، لا تمر ازمة مصيرية لبنانية، الا وتتكرّر فيها ملامح هذه التسوية، التي بانت بعض اوجهها مرة اخرى حين كانت تسير عجلة «السين السين»، بعدما فرض تفاهم من علٍ على الطرفين السني والشيعي، فسارت البلاد على ايقاعه ردحا من الوقت وبقي المسيحيون خارجه، الى ان انقلبت ظروف التسوية ودفعت حكومة الرئيس سعد الحريري ثمن المتغيرات الاقليمية.
وعلى سيئات مشروع اللقاء الارثوذكسي، وسلبيات الاجماع المسيحي عليه، ادى الانقلاب السني الشيعي مجدداً، الى الذهاب نحو تسوية التمديد للمجلس النيابي، بعدما كان المسيحيون طالبوا باجراء الانتخابات النيابية باي ثمن.
اليوم، تطفو الى الواجهة ملامح هذا التحالف بنسخة منقحة، تلائم التطورات التي بدأت تفرض على لبنان ان يتكيف معها. فالانفجارات والاغتيالات المتنقلة بين الضاحية والشمال، بدت وكأنها الاطار الضروري لاخراج التسوية الداخلية على ايقاع الدم اللبناني، بعدما سار التفاهم الاقليمي بخطى مدروسة، منذ ان اعلن قبل اشهر اتفاق وزيري الخارجية الاميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف على حل ملفي سوريا الكيميائي وايران النووي، اضافة الى ملفات لبنان وسوريا والعراق التي تظهر يوما بعد آخر بعض التفاصيل المتعلقة بتطبيع الوضع فيهما.
من هنا كان الكلام عن تهدئة سعودية ـــــ ايرانية مرحلية، برعاية اميركية، تنعكس مباشرة على لبنان، لتمرير مرحلة الاستحقاقات فيه بأقل الخسائر الممكنة. فواشنطن لم تفوّت فرصة، منذ اشهر، الا واكدت فيها، عبر ديبلوماسييها في لبنان والمنطقة، حرصها الاستثنائي على ضبط وضع لبنان والاستقرار فيه وعدم السماح بتحويله بؤرة للتنظيمات الارهابية.
وسط هذا الجو الاقليمي، ثمة فريقان اساسيان معنيان مباشرة بالصراع وبالهدنة المطلوبة، حزب الله وتيار المستقبل اللذان ما ان بدأت بعض ملامح التسوية تظهر، ولو لم يتضح فعلا احتمال ذهابها الى الحد الاقصى، حتى بادر غلاة المتطرفين منهما الى مباركة صيغة حكومية جامعة بتخفيف الشروط التي كانت مرفوعة سابقاً. في وقت كان مسيحيو قوى 14 آذار يذهبون، قبل اغتيال الوزير محمد شطح واثره، بعيدا في رفضهم اي صيغة مماثلة، وبعدما تمسك المسيحيون في قوى 8 آذار بحقهم في لعب دور مركزي في التسوية وفي شكل الحكومة.
تشكل الحكومة الجامعة فرصة حقيقية لاستقرار الوضع الداخلي، بعد التلويح بحكومة حيادية او بقاء حكومة اللون الواحد. لكن، في المقابل، ثمة كلام كثير في الوسط السياسي عن الدور الذي يوحي المسيحيون انهم يلعبونه، في ادارة هذه الازمة واحتمال الفراغ المقبل على البلد.
ففي قوى 14 آذار يقود الرئيس فؤاد السنيورة وحده المفاوضات مع الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري والرئيس المكلف تمام سلام، لانضاج الطبخة الحكومية، وليس فقط للبحث في مبدأ المشاركة او عدمه. في حين أن ثمة اصراراً من جانب القوات اللبنانية على ان تشددها هو الذي قاد ويقود الاتجاه في قوى 14 آذار لفرض اكثر الشروط تشددا من اجل الجلوس الى طاولة واحدة مع حزب الله.
تشدد القوات في التعبير عن مطالبها، اولاً في رفض الحكومة الجامعة ثم في رفع سقف المشاركة وفرض جدول اعمال على حزب الله. والرئيس سعد الحريري الذي جارى، بخلاف السنيورة الذي كان مؤيدا لحكومة جامعة، رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع في رفضه الحكومة الجامعة ومن ثم المطالبة بشروط قاسية، لا يمكنه اليوم ان يوازي بين الحليف المسيحي وبين الراعي السعودي للتسوية ولو كانت مرحلية. يعرف الحريري، بحسب اجواء قريبة منه، ان جعجع يتشدد وعينه على الاستحقاق الرئاسي، وهو ذهب معه الى الحد المسموح به اقليميا. لكن الضوء الاخضر السعودي جعل من الضروري اعطاء فرصة للتهدئة مع اضفاء صورة المراعاة للحليف الذي سبق ان اختلف معه بحدة حول المشروع الارثوذكسي، الذي عاد جعجع وتخلى عنه بعد فترة سماح مع العماد ميشال عون.
في المقلب الاخر، يذهب عون الى الفاتيكان في وقت تدور عجلة لتأليف الحكومي، مديرا ظهره لتجاذبات حكومية، لا يرى المطلعون الى جانبه اليوم انها اقتربت من خواتيمها السعيدة. بالنسبة الى عون لا حكومة قبل موافقته، لكنه يعرف ايضا ان التسوية اذا مرت فانها ستزيل كثيرا من العوائق والاعتراضات. وعون اعتاد اكثر من مرة ان يضحي الحليف الشيعي ببعض تفاصيل ورقة التفاهم المحلية من اجل ضمان الاستقرار في ساحات التدخل السني ــــ الشيعي في لبنان وغيره.
في الشكل، يغيب المسيحيون عن التسوية الاقليمية، وفي المضمون، اي حقائب سيحصّلونها من هذا الطرف او ذاك، في تشكيلة قوامها 8-8-8 تريد القوى الاساسية تقاسمها. فمن يمكن ان يقتنع بأن تيار المستقبل سيضحي باحدى الوزارات السيادية او الاساسية، لصالح القوات اذا قررت المشاركة في الحكومة، والكتائب، والمسيحيين المستقلين، بدل وزارة السياحة او الشؤون الاجتماعية او وزارات الدولة التي سبق ان حصلوا عليها. وكيف سيرضي حزب الله حليفه المسيحي اذا رست التسوية على المداورة في كل الحقائب، وطارت حقيبة العدل والطاقة من عون كي تبقى حقيبة الاتصالات لدى فريق 8 آذار مجتمعاً.
بين عون وجعجع كثير من التاريخ المشترك. مرة جديدة يجمعهما، ولو حاولا النفي، واقع واحد: انهما حاليا خارج التسوية. فهل يسيران بها ام يعطلانها؟

السابق
«فيتو الرئيسين».. يعرقل المساعي أم يسهّلها؟
التالي
المياومون يجتمعون بمؤسسة الكهرباء بإنتظار انتهاء اجتماع جريصاتي