مفتي صيدا: الاحترام يعني تقدير الإنسان للآخر بغض النظر عن لونه أو نسبه

الشيخ أحمد نصار

وجه مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ أحمد محي الدين نصار، كلمة في ذكرى المولد النبوي، جاء فيها:

“لقد ازدهت الإنسانية بفرحة غامرة،‏ واكتست جلباب الفرحة والبهجة يوم ولد رسول الله r‏‏ ويوم بعث، وهو ما عبرت عنه آيات الله عز وجل بقوله ?وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين?، وقوله تعالى ?لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم‏?. وليس عجيبا أن تزدهي الإنسانية في كل عام لتجدد فرصتها بالفوز برحمة ربها في ذكرى مولد الحبيب المصطفى r‏،‏ وتعبر عن فرحتها بكل ما تملك وتستطيع‏، ولكن العجيب الغريب أن تأتي هذه المناسبة العظيمة علينا اليوم، وفي ظل ظروف شديدة من الضيق والألم والحزن والفقر من جهة، والمحاداة لله تعالى وشرعه وإسراف وتبذير، وفرقة واختلاف وتآمر وتقاتل من جهة أخرى، فولينا ظهورنا لذكراه r وتغافلنا عن اتباعه وتعظيمه وتوقيره والاحتكام لشرعه كما أمرنا، واحتفينا بمناسبات الأمم السابقة لنا مقلدين ومتخلين عن هويتنا وعاصين لله، ونحن أحوج ما نكون إلى نسائم الرحمة منه سبحانه والتذكير برسوله”.

يقول الباري سبحانه: “إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا?، أي إنا أرسلناك يا محمد لتكون شاهدا على أمتك بأعمالهم من طاعة أو معصية في الدنيا والآخرة، ومبشرا لمن أطاع الله تعالى وأطاعك بالجنة، ونذيرا من النار لمن عصى، ولا يكون المؤمن بالله مؤمنا، إلا بتعظيم رسوله r وتفخيمه وتسييده ونصرته، والتزام طريقه في تعظيم الله تعالى وتوحيده وذكره والصلاة له بكرة وأصيلا، هؤلاء هم المفلحون، الذين لهم البشرى من الله والفضل الكبير، كما قال سبحانه: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون).

إن تجدد فرحة المسلمين في كل عام بمولد رسول الله r‏ إنما هي‏ وسيلة إلى غاية‏،‏ وطريق إلى هدف. فالوسيلة والطريق هو الاحتفاء والفرحة بمولده r‏، والغاية والهدف هو التذكير والتنبيه برسول الله الذي من شأنه أن يعيدنا من جديد إلى بيعة صادقة معه r، ويوقظنا من جديد إلى بيعة صادقة مع الله سبحانه، فإذا ما حققت هذه الفرحة هدفها فنعم الفرحة ونعم التذكير. ولكن عندما نجعل من الوسائل غايات‏، ونجعل من الفرحة برسول الله r هدفا بحد ذاتها، فتخلوا من الموعظة والاعتبار وتتحول إلى مناسبة طرب بالمدائح، أو مجرد سهرة تراثية قديمة، أو باستغلال منبرها لمصالح شخصية ضيقة، فهي فرحة حينئذ مصطنعة لم تؤد بهذه الذكرى غايتها وهدفها، وستكون شهيدا علينا عند الله تعالى كلما تكررت عاما إثر عام.

إن محبة النبي r جزء من الدين، لأنه r باب الله الذي لا يدخل عليه أحد إلا من خلاله r، فهو الإنسان الذي حقق الهدف تحقيقا كاملا، الهدف الذي خلقت من أجله الإنسانية، وهو معرفة الله وتوحيده وعبادته، وعمارة الأرض بشرعه، فكان هو r صاحب الرسالة الإلهية، والقدوة لأي إنسان خلقه الله على وجه الأرض ليحقق الهدف الذي حققه رسول الله r وهي محبة الله. وإن محبة الله تعالى تقتضي محبة نبيه r، فإذا أحببت النبي r فأنت تحب حقيقته، وحقيقته أنه الإنسان الأكمل، كما قال تعالى: ?وإنك لعلى خلق عظيم?، ومحبة النبي r تقتضي اتباع سنته أي نهجه في كل شيء، واتباع سنته يعني نجاحك في الحياة الدنيا وفوزك بالآخرة، لذلك قال تعالى: ?لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا?.
وقال تعالى: ?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم?، فهو القدوة r في كل نشاطاته، وحركاته، وسكناته، وأحواله، في بيعه وشرائه، في علاقته بجيرانه، وأهله، وزوجته، وأمه، وأبيه، وإخوانه، وحلفائه وخصومه، وهو القدوة في قيادته السياسية والعسكرية والاقتصادية والتنظيمية وفي كل شيء، فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فسنة رسول الله محمد r هي الطريق لك في هذه الحياة، والنور الذي تستضيء به فيها، لذلك كانت محبته r جزء من الدين، بل هي الدين، لقوله تعالى: ?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما?، وقوله سبحانه: ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم?. بل وجعل الله جل جلاله محبة النبي r من محبته سبحانه، محبة واحدة، لقوله تعالى: ?والله ورسوله أحق أن يرضوه?، فجمع الله تعالى رضاه مع رضا رسوله r بضمير واحد.

فأنت أيها المسلم كمواطن أو موظف، أو عسكري أو نائب أو وزير أو رئيس بلدية أو مدير مدرسة أو أي فعالية سياسية أو ثقافية أو اجتماعية كنت، إن لم تتقن مهمتك بصدق وخلق وإخلاص لله ولرسوله، ولم تظهر تأسيك برسول الله r، فأنت والله لا تحب النبي r.
وإن استسهلت حرمة الإنسان في دمه وماله وعرضه أو مارست هذه الجريمة أو حرضت عليها أو تقاعست في تحصين مجتمعك منها، والنبي المصطفى r يقول: (والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)، ويقول: (إن الله حرم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم، .. كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله)، بل إن النبي r طاف بالكعبة وقال لها: (ما أطيبك، وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك: ماله ودمه)، فأنت لا تحب رسول الله r.

وإن لم ننته عن الفرقة والاختلاف فيما بيننا، مع أن من أعظم غايات الشريعة الإسلامية اجتماع الكلمة وألفة القلوب بين المسلمين؛ إذ بها تتحقق مصالح الدين والدنيا، ويتحقق التناصر والتعاون والتعاضد، والله تعالى يقول: ?وتعاونوا على ?لبر و?لتقوى? ولا تعاونوا على ?لإثم و?لعدوان?، ويقول: ?ولا تنـ?زعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم و?صبروا إن ?لله مع ?لصـ?برين?، والنبي r يقول: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، ويأمرنا بالتصالح والسعي في الإصلاح كما قال عز وجل: ?ف?تقوا ?لله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا ?لله ورسوله إن كنتم مؤمنين?، والنبي r يقول: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، فإن لم تكف أو تنه عن الفرقة والاختلاف، وتأمر بالتصالح واجتماع الكلمة، فأنت لا تحب رسول الله r.

إن الاحترام يعني تقدير الإنسان للآخر بغض النظر عن لونه أو نسبه أو ثقافته، وهو خلق نبوي عظيم، فكيف إذا كان هذا الاحترام موجه إلى من فضل الله ورفع منزلتهم وهم العلماء، فقال سبحانه ?يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات?، وقال تعالى ?قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون? وقال رسول الله r: (العلماء هم ورثة الأنبياء)، وقال r: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه)، فمن لم يكن كذلك فهو لا يحب الله ورسول الله r.

وإذا غششت مسلما أو مسيحيا أو مجوسيا أو ملحدا، أو حملت السلاح على إخوانك ترهبهم، والنبي r يقول: (من حمل علينا السلاح، فليس منا، ومن غشنا، فليس منا)، فأنت لست من أمة محمد r. وكذلك إن كنت لئيما غليظا فظا بخيلا في العطف والود والتراحم والصدقة ولو بالبسمة أو الدعاء، ورسول الله r يقول: (ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر)، فأنت لا تحب رسول الله r.

وإن قسوت على زوجك وظلمتها، والنبي r يقول: (أوصيكم بالنساء خيرا، ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم)، وإن لم تحسن تربية عيالك أو بخلت عليهم، ورسول الله r يقول: (ليس منا من وسع الله عليه وقتر على عياله) فأنت لا تحب رسول الله r، لأن محبته تعني اقتفاء أثره.

فمحبة النبي r هي الدين، ومحبة الله تعالى ومحبة نبيه r شيء واحد، فإذا أحببت النبي r فهذا الحب مشتق من محبتك لله تعالى، وإن أحببت الله تعالى فهذا الحب مشتق من محبة النبي r، قال تعالى: ?ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا?. وقال رسول الله r: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين). هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين”.

السابق
فياض: فريق 8 آذار جاهز لتشكيل حكومة جامعة
التالي
النسائي الديموقراطي: لاشراك النساء في الحكومة ووقف التمييز بحقهن