قاتل اليرموك وغباره الاعلامي

كتب ابراهيم الأمين مقالاً، إنطلق فيه من عبارة يقول إنها انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الصدف، أنني من كتب هذه الجملة، وهي: “مات شارون بعدما اطمأن إلى أن هناك من يُكمل في اليرموك ما بدأه هو في صبرا وشاتيلا”. وأضاف الأمين أن من تناقل هذه العبارة “بالتجربة والعقيدة والسياسة والتاريخ والجغرافيا ليسوا أنصار القضية الفلسطينية، ولم يسبق أن رف لهم جفن إزاء ما تعرض له الفلسطينيون في كلأ أصقاع الأرض من إذلال وقتل!”. وما لبث الأمين أن وصف كل ما يُعارض محور الممانعة بأنه “داعشي”.
http://www.al- akhbar.com/node/198565

يتناول الأمين في مقاله حالة إنسانيّة حساسة وسياسيّة، إسمها مخيم اليرموك، وانطلق منها في عملية الشتم وفي محاولة تبرير واحدة من أفظع الجرائم التي يقوم بها نظام البعث السوري مدعوماً بعدد من الميليشيات الفلسطينيّة والعراقيّة واللبنانيّة.

يُحمّل الأمين أهل المخيم، وفصائله مسؤوليّة حصار المخيم وتجويعه. خطاب تحميل المسؤوليّة هذا أشبه ما يقوم، بخطاب تحميل المقاومة اللبنايّة مسؤوليّة الحروب الاسرائيليّة المتكررة على لبنان. هو خطاب يُساوي بين الضحية والجلاد، لا بل يميل إلى دعم الجلاد بوجه الضحية، ربما لأنه أقوى، بعكس المنطق المفترض وهو أن تكون كلمة الحق أقوى.

في خطاب الممانعة الذي يتولى تسويقه الأمين، يُقال أن المخيم هو من افتعل الحرب من دون سبب مع النظام السوري. وفي هذا الكلام كم كبير من المغالطات. لم يتوان النظام يوماً عن استخدام الورقة الفلسطينيّة في وجه معارضيه، وهو بنى كل فترة حكمه على شعار تحرير فلسطين، الذي لم يبقى منه إلا فرع فلسطين. ثم أنه في أيار 2011 أي بعد شهرين على بدء الثورة السورية، قام النظام عبر الجبهة الشعبيّة ــ القيادة العامة وياسر قشلق، رجل الأعمال الفلسطيني المقرب من المخابرات السورية، باستغلال حماس الشباب الفلسطيني وأخذهم صوب موت محتم في الجولان. وعندما اعترض الأهالي على ما جرى، قامت عصابات أحمد جبريل بإطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين.
http://www.al-akhbar.com/node/14302

واستمر الحال هكذا. تولت عصابات جبريل عمليّة تأديب يوميّة للمخيم، نتج عنها سرقات واعتقالات وتصفيات من دون محاسب أو رقيب. وتولّى نظام البعث تسليح مؤيديه في المخيم، ليزداد بطشهم. تسليح دفع بأبناء المخيم للدفاع عن أنفسهم بالدرجة الأولى.

يُكمل الأمين روايته بالإشارة إلى دور لحركة حماس في تدريب مقاتلي المعارضة. ينقل الأمين هنا، كلام التعبأة الحزبية إلى الصحف.

ويكرر رئيس تحرير جريدة الأخبار مقولة الممانعة بإن الفلسطينيين تركوا قضيتهم ومعركتهم ضد اسرائيل وهي على بُعد أمتار عنهم وجاؤوا يُقاتلون في سوريا. وهو يستند في هذا الأمر إلى عدد لا يتجاوز العشرات (على حد زعمه) من الفلسطيننين من غزة ورام الله وعرب 48 الذين يُقاتلون في سوريا. طيب، للننطلق من هذا المنطق. كم متراً يبعد الجولان المحتل عن سوريا؟ لماذا لم يُقاتل جيش البعث لتحريره؟ ما الذي أتى به إلى لبنان في العام 1976؟ وللتذكير فقط، فإنه عمّد دخول بالقضاء على مخيم تل الزعتر بالكامل. وأعاد تكرار العمادة هذه بحرب المخيمات التي خاضتها حركة أمل بالنيابة عنه، ليشاهد العالم كله مشاهد مثل التي نراها اليوم في مخيم اليرموك. أليس تحرير الجولان أولى من قصف حلب وحما ودمشق ودرعا وكل المحافظات السوريّة؟

طيب، ما الذي أخذ حزب الله إلى سوريا؟ أليست شبعا أولى بالتحرير؟

في حقيقة الأمر، أن ما يقوم به الأمين وغيره من بحث دقيق عن كل “غير سوري” يُقاتل نظام الأسد، إنما هو محاولة تبرير لدخول الميليشيات اللبنانية والعراقية الحرب إلى جانب النظام. دخول كان يُفترض به حسم المعركة، وإذ بهذه الميليشيات تغرق بالوحول السوريّة.

بالعودة إلى المقارنة بين بشار الأسد وارييل شارون. للأمانة، قد يتفوق الأسد على شارون. فالأسد استطاع خلال سنتين وتسعة أشهر، قتل أكثر بكثير مما قتله شارون. الأسد دمر بلداً بشكلٍ منهجي، وما براميل الحقد التي يرميها إلا دليل على ذلك. شارون هو أبرز معبّر عن الحركة الصهيونيّة. علماني يستعمل الخطاب الديني عند الحاجة. شارون أبرز معبّر عن فاشية الحركة الصهيونيّة. وكذلك الأسد، أبرز معبر عن فاشية البعث. علماني يستعمل الخطاب الديني والميليشيات الدينيّة بما يخدم هدفه الرئيسي وهو التحكم برقاب السوريين.

القواسم بين شارون والأسد كثيرة. ومن أبرزها لبنانياً، أن الرجلين تحالفا مع مشروع شعبوي طائفي. مشروع ظن ويظن أصحابه (المشروع السابق والحالي) أنهم يملكون من مقومات النجاح ما لم يملكه أودولف هتلر في عزّ قوته. ومن القواسم أيضاً أن إعلاماً لبنانياً، تولى التسويق للمشروع السابق، وإعلام لبناني يتولى التسويق للمشروع الحالي. التاريخ يُنبؤنا أين أصبح ذاك الإعلام.

الفارق الأبرز بين شارون والأسد، أن الأول قام بما قام به، خدمة لمشروع دولته، أما الأسد فإنه يقوم بما يقوم به خدمةً لروسيا وإيران.

في فيلم ماهر أبي سمرا “شيوعيون كنا” يقول ابراهيم الأمين أنه خلع عباءته المذهبية لحظة دخوله للحزب الشيوعي، لكن تركها على الباب. ويُضيف الأمين أنه ما لبث أن ارتداها مجدداً عند خروجه من الحزب الشيوعي. اليوم، يُحاول الأمين أن يلبس العباءة الطائفيّة، ثم يُبدلها بعباءة اليسار، مرات يومياً.

ربما يُحاول الأمين اليوم تعويض عباءته الطائفيّة ما فاتها في حرب المخيمات اللبنانيّة.

السابق
ريما نجدي فتاة الTNT
التالي
كريستيانو رونالدو الافضل عالميا لعام 2013