أحوال عرسال (2): مهر السورية أقلّ من إيجار منزل

عرسال
في الحلقة الثانية اليوم عن أحوال عرسال وأهلها والنازحيين من سوريا اليها، روايات عن آلاف الأطفال بلا مدارس، وعن تعدّد زوجات العرساليين بسبب انخفاض مهر الفتيات السوريات الى أقلّ من 500 دولار أحيانا، وعن إجبار بعضهنّ على العمل بالدعارة وعن ارتفاع بدلات إيجار بعض البيوت إلى أكثر من 500 دولار.

تقول هند، وهي ناشطة في جمعيات محلية ودولية لمساعدة النازحين السوريين إنّ “أكثر من نصف النازحين السوريين يسكنون في خيام. ففي عرسال 15 مخيماً، أصغرها يحوي مئة خيمة، في كل منها تعيش عائلة أو عائلتان. وضع المخيمات سيء جداً وخصوصاً بعد العاصفة الثلجية الأخيرة حين تداعت الحمامات غير الثابتة.

وتزيد. لا توجد شبكة للصرف الصحي خصوصاً في المخيمات، ولا نجري عمليات لشفط الجور الصحية مما يولّد روائح كريهة تؤذي الأطفال والكبار.

تصمت هند لحظات لتستطرد: تشكل عرسال مصدراً مائياً مهماً، والخوف حالياً من تلوث مياه الشفة في البلدة بعد التأخر المزمن بتنظيف الجور الصحية، وصار بعض الأهالي يفضلون شراء قناني مياه الشرب بدلاً من المياه المحلية.

عديدة هي الجهات التي تقدم مساعدات للنازحين وعلى الرغم من ذلك فهي غير كافية البتة لتكون حداً أدنى للحياة. تقول يمامة (سورية نازحة): “نتلقى مساعدات من الأمم المتحدة، جسور النور، الدانماركيين والقطريين وهيئات إنسانية إسلامية ومن البلدية أيضاً، لكن للأسف كل هذه المساعدات لا تكفي العائلات لتعيش على حافة الحد الأدنى للحياة. وأشير هنا أن كل هذه الهيئات توقفت عن تقديم المساعدات للنازحين القدامى وصارت تقتصر على النازحين الجدد مما أوجد مشكلة جديدة وشقاقاً بين النازحين أنفسهم.

تشير هند إلى أن القسم الأكبر من الأطفال خارج المدارس، “لأنهم لا يملكون أجور نقل من المخيمات إلى المدارس”. وتضيف: المدارس الرسمية فتحت أبوابها لهم، كما هناك مدارس سورية خاصة غير مجانية وكلها تلقت مساعدات من الأمم المتحدة، لكن التعليم غير جدي، وقد رأيت بأم العين أطفال يجلسون على كرانين في إحدى المدارس الخاصة. ويمكن القول أن عملية التعليم شبه متوقفة فعلياً.

توضح هند: هناك منظمات طبية عدة تقدم خدماتها الصحية مثل أطباء بلا حدود، عامل، مستوصف الحريري، مستشفى ميداني سوري. تتدخل أحد النساء بالحديث وتوضح: معظم الجمعيات لا تقدم لنا الأدوية المناسبة الدواء الأساس هو البنادول. وتعطي مثلاً: قبل يومين كانت هناك بنت عمرها 8 سنوات مصابة بكريب حاد ويمكن أن تكون مصابة بالتهابات رئوية، الدواء الوحيد الذي حصلت عليه هو بنادول.

تزيد سميرة: مستوصف الحريري يقدم الأدوية اللازمة الفعلية، ربما لأن هناك رقابة على عمله، كما أنه يتقاضى جزءاً من ثمن الأدوية. وتزيد هند: كذلك الدكتور أحمد الحجيري الذي يوزع الأدوية المتوفرة لديه مجاناً.

يعمل عدد كبير من الرجال النازحين في الحجر وفي البناء، و”يقومون بكل الأعمال المتاحة أمامهم بدون تردد”. أما النساء فتتطوعن مع المنظمات الدولية والمحلية التي تقدم خدماتها للنازحين.

رضوى تعمل مع إحدى الهيئات الدولية التي تعالج النازحين وفق الطب الصيني في حين تعمل يمامة كمعلمة أشغال وفنون في إحدى الجمعيات.

من يجول في شوارع عرسال وخصوصاً الرئيسة منها يلاحظ تزايد محلات بيع الثياب المستعملة. توضح هند الأمر بالقول. معظم أصحاب هذه المحلات كان يعمل في نفس المهنة في سورية، وقد نقلوا بضاعتهم معهم إلى لبنان واستمروا بالعمل، لكنهم يدفعون إيجارات خيالية للمحلات، مثلاً يصل إيجار المحل إلى 500 دولار أميركي شهرياً.

تقدم الجمعيات خدماتها للسوريين واللبنانيين في الوقت نفسه، فلجنة الإنقاذ الدولية تستهدف الأطفال من الجانبين وكذلك النساء أيضاً وبقية الجمعيات تحذو حذوها. ولكن تعاني الجمعيات من نقص في التمويل لتقديم الخدمات بشكل أفضل.

تقول هند: نحن بحاجة إلى تمويل لتمكين المرأة اقتصادياً، من خلال تدريبها على الأعمال الحرفية الدقيقة والتي يمكن أن تؤمن دخلاً معقولاً للعائلات.

من جهة أخرى تعاني المرأة اللبنانية والسورية من التعنيف الجسدي واللفظي وغيرهما، وقد جرت مؤخراً حوادث عدة أدت إلى خراب بيوت عدد من العائلات اللبنانية من خلال تعدد الزوجات، فبعض العائلات السوريين توافق على تزويج فتياتها البالغات من العمر ما بين 13 و15 عاماً وفق شروط سهلة، مما دفع عدد من اللبنانيين للزواج مرة ثانية وثالثة من فتيات ربما كن أصغر من بناته من عائلاته الأولى.

وأحياناً تكون هناك نوايا سيئة في هذا المجال فتروي رضوى: أحدهم تزوج فتاة صغيرة ودفع لأهلها 500 دولاراً مهراً لها، لكن بعد الزواج حاول دفعها للعمل في الدعارة، رفضت الفتاة وتدخلت أمها وأعادت له المال واستعادت ابنتها. إلا أن زوجها رأى في تصرف زوجته خروجاً على قراره فطلّقها. وخرب المنزل بأكمله.

لذا تزداد الهوة اتساعاً بين النساء اللبنانيات والنساء السوريات والذي يفترض تدخلاً من نوع آخر لوضع حد له.

صورة بانورامية للحياة في عرسال، بلدة لبنانية تماثل البلدات الأخرى على الرغم من الظلم الذي يلحق بها إعلامياً. قدرات القيمين عليها محدودة، والنازحون كثر واحتياجاتهم كثيرة والسلطة مستقيلة من دورها.

السابق
ظريف يلتقي قيادات في “8 و14 آذار” اليوم
التالي
وصول وزير الخارجية الايراني الى قصر بعبدا للقاء سليمان