قوس قزح كفرنبل أم طاعون داعش الأسود؟

منذ أيام اقتحمت عناصر من الدولة الإسلامية في العراق والشام او ما تعرف بـ «داعش» مقر المكتب الإعلامي لمدينة كفرنبل التابعة لريف محافظة إدلب، وهو المكتب الاعلامي صاحب اللافتات والعبارات الأشهر في الثورة السورية.
لقد دهمت «داعش» ليس فقط المكتب الإعلامي لكفرنبل، بل أيضاً إذاعة «فريش اف ام» فيها، ومقر «باص الكرامة»، وهو مشروع تأهيلي – إبداعي يستهدف الأطفال النازحين في المدارس، قبل أن تترك كل شيء حطاماً، وتسرق محتويات تلك المقرات من حواسيب وأجهزة اتصال وأثاث، ثم تخطف خمسة ناشطين وتطلق سراحهم بعد ساعات.
ليست مدينة كفرنبل الصغيرة مجرد مدينة تعرّف عليها العالم بعد انطلاق الثورة السورية، انها مدينة قديمة وجميلة، تقع في منطقة جبل الزاوية التي تضم العديد من البلدات والقرى التي تحوطها اشجار الكرز والمشمش والتين والزيتون والرمان والتلال الخضراء من كل جانب، كما انها منطقة تحوي العديد من الآثار الرومانية والإغريقية وبين أشجارها اكتشفت اولى معاصر النبيذ والزيتون التي انشأها الانسان عبر التاريخ. حتى ان سحنة أبنائها تشبه تماماً طبيعة هذه المنطقة الخلابة، ان غالبية ابناء منطقة جبل الزاوية في ادلب وسيمو الوجه واقوياء البنية.
لقد شكلت كفرنبل منذ ما يقارب ثلاثة اعوام أملا لكل السوريين الذين يحلمون بوطن حر وديموقراطي متعدد يتسع لكل أبنائه بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وخلفياتهم الإثنية. في هذا الصدد يمكن القول ان «كفر نبل» لم تخطئ أبدا ولم تحيد عن هذا الهدف ولم ترفع مرة واحدة شعاراً طائفيا او مذهبياً، لم تخلط يوما بين الاستبداد والطائفة التي ينتمي اليها الديكتاتور في سورية، ولم تحمّل الطائفة العلوية أبدا مسؤولية ما ارتكبته قوات النظام والشبيحة الذين يدعمونه من اعمال إجرامية ومجازر… وحتى بعد دخول قوات حزب الله اللبناني ومساندته لقوات النظام السوري في معركة بقائه، لم تخلط كفرنبل بين المسألة الوطنية والمسألة الطائفية ولم تقل انها معركة بين «سنة» و«شيعة» بل بين شعب ونظام، بين قوى تدعم الثورة وقوى تدعم النظام. نعم، كفر نبل لم تخطئ ولم تحد عن البوصلة بعكس بعض المناطق والقرى والبلدات التي سُجل فيها رفع هتافات وشعارات طائفية بغيضة.
لقد ضم مكتب كفرنبل الإعلامي منذ بداياته أول الثورة السورية العديد من الناشطين الذي تفرّغوا للعمل الثوري الذي مرّ بمراحل متعددة من التطور، حتى باتت لافتاتهم ورسوماتهم مصدراً رافداً لكثير من الصحف والمواقع العربية والعالمية، وتعرّف كثير من الناشطين والصحافيين على الثورة من خلالهم. ويبدو ان رسما كاريكاتوريا يصور شبحاً اسود يطعن من الخلف مقاتلا من الجيش الحر يواجه قوات النظام كان وراء هجوم «داعش» على المدينة ومكتبها الاعلامي.
وللحقيقة فهذه ليست المرة الأولى التي يقتحم فصيل داعش بعض المقرات الإعلامية أو يعتقل النشطاء العاملين في المجال الثوري أو الإعلامي، بل قتلوا واختطفوا عددا من الصحافيين والمراسلين وفتحوا سجونا ومعتقلات في المناطق التي باتوا يسيطرون عليها في الرقة وحلب وادلب، وفي تقرير جديد اشارت منظمة «مراسلون بلا حدود» الى ان هذا التنظيم «مسؤول عن غالبية المعاملة السيئة التي يعانيها السكان ومنهم اولئك العاملون في المجال الاعلامي» في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
ويرى النظام السوري في هذه التصرفات نقطة لصالحه. فالنظام لم يحاول ابدا ان يستعيد بلدة «الدانا» في ادلب ومدينة الرقة التي سيطرت عليها قوات وتنظيمات سلفية متطرفة كجبهة النصرة وداعش لأنه يريد ان تشكل هذه المدن والبلدات مثالا سيئا للناس الذين يتعاطفون مع المعارضين ومثالا مرعبا للعالم ودول الجوار عن القوى السلفية «الإرهابية» و«العصابات المسلحة» وما ستصبح عليه سورية في حال سقط النظام.
بالمناسبة قد تعودت «داعش» أو سواها من جديد إلى الاعتداء على كفرنبل وسرقة عدّتها ولافتاتها، او قد تفعل ذلك في مناطق اخرى، لكن يستحيل القضاء على ما تمثله كفر نبل او مصادرته، لأن شعارات هذه المدينة ذائعة الصيت حفرت عميقاً في وجدان الناس، من غير السوريين قبل السوريين، ولذلك ليس بالإمكان مصادرتها. يخطئ من يعتقد ان كفرنبل غير قادرة أن تولد من جديد في حلب او الرقة او دير الزور او درعا او ادلب أو في غوطة دمشق أو في حمص. إن كفر نبل حلم السوريين في الحرية والديموقراطية والدول التعددية المدنية، وهي فكرة أيضاً ومعلوم ان الأفكار لا يمكن أن تموت.

السابق
الأسد سيربح الانتخابات شاء من شاء وأبى من أبى
التالي
حملة خامنئي