المخيمات والمعاناة والبطولات

المخيمات في فلسطين

الصفات الشخصية لسكان المخيمات كانت سبباً مهماً في سعي مختلف التنظيمات الفلسطينية الى تجنيد أكبر عدد من هؤلاء، وأي تنظيم فلسطيني فاعل، كان وما زال معنياً بقاعدة كبيرة في المخيمات الفلسطينية، ولهذا لاحظنا نشاطاً للمقاومة في المخيمات أكثر نسبياً من غيرها، وما من تنظيم فلسطيني إلا وله شهداء بارزون من سكان المخيمات الفلسطينية يحظون باحترام الجماهير والمكانة لدى قادة وقواعد تنظيماتهم. واذا أخذنا عينة مخيم جنين في معركة نيسان (أبريل) 2002 البطولية لوجدنا أمثال زياد العامر (كتائب الأقصى – فتح) ومحمود طوالبة (سرايا القدس – الجهاد الإسلامي) ومحمود الحلوة (كتائب القسام – حماس) وغيرهم ما زالوا بمثابة أيقونات للمعركة ورموزاً للتضحية والفداء.
كما أنه وبعد مضي 40 عاماً ما زال الشهيد محمد الأسود المعروف بغيفارا غزة ابن مخيم الشاطئ، أحد الشهداء البارزين للجبهة الشعبية، الذي تتناقل حكايته الأجيال، وتم توثيقها بكتب ونشرات وفيلم وثائقي.
وإضافة إلى الشهداء هناك أسرى كثر من المخيمات، والقيادات الفاعلة ذات البصمات المميزة، وما من بيت في المخيمات إلا وفيه شهيد أو أسير ما زال في الأسر أو تحرر، أو جريح، أو أن البيت تعرض للمضايقات من اقتحامات وتنكيل.
ولكن ما هي الأسباب الرئيسة لتركيز التنظيمات على المخيمات، وبالأحرى ما سبب انخراط شريحة كبيرة من أبناء وبنات المخيمات في العمل المقاوم؟
هناك من يقول إن السبب هو الظروف المادية والاقتصادية الصعبة للمخيمات، لكن هذا السبب ليس دقيقاً من وجهين: الأول هو أن ثمة مناطق غير المخيمات يعاني سكانها وضعاً اقتصادياً صعباً مثل المخيمات، بل أكثر، ولم تخرّج مقاومين مميزين، أو حتى لم تساهم في المقاومة، وبالطبع فإن العامل الاقتصادي مهم وله تأثير لكنه ليس سبباً وحيداً أو أهم من بقية الأسباب. والثاني هو أن هذا الطرح يظهر وكأن المقاومة سببها اقتصادي وليست بسبب الاحتلال ووجود اسرائيل.
ولا يتسع المجال لذكر كل الأسباب، فأكتفي باثنين:
1- إن أبناء المخيمات يحسون بكارثة وجود اسرائيل أكثر من غيرهم لأنهم اقتلعوا بوحشية السلاح من أرضهم وتم تشريدهم وإسكانهم هذه المخيمات ليتكاثروا وتزداد معاناتهم، وبالتالي فإن نزعة الانتقام لديهم أقوى، ممزوجة بأمل التحرير، أو على الأقل عدم ترك الغزاة يهنأون في أراضيهم المغتصبة، ولذا كان أبناء المخيمات يفتحون صدورهم لأي تنظيم يتبنى المقاومة وينخرطون في صفوفه.
2- بعيد النكبة يلزم لمن يريد تنفيذ عمليات في داخل فلسطين المحتلة عام 1948 أن يكون على دراية بتضاريس المنطقة المستهدفة، وخبيراً بها، وليس أجدر بذلك ممن سكنوها وعاشوا فيها وخبروا سهولها وجبالها ووديانها وكهوفها، وعرفوا المستوطنات ومواقعها.
جدير بالذكر أن اللاجئين أو المهجرين عنوة من الأندلس انخرطوا مع خير الدين بارباروسا الذي دعمه العثمانيون في الجهاد البحري ضد الإسبان والبرتغاليين لأنهم أيضاً طردوا من أرضهم، وهم أخبر بها حيث كانوا، إضافة إلى الغارات على السفن، يقومون أحياناً بعمليات إنزال على أراضي الأندلس المحتلة. وتكررت الحكاية مع اللاجئين الفلسطينيين الذين يسعون الى ألا يكون مصير بلادهم كمصير الأندلس.

السابق
فضيحة خيانة في قصر الاليزيه: هولاند يتخذ عشيقة على «شريكته»
التالي
«الراي» الكويتية: حناوي «وزير الثقة» بين الرئيس و8 آذار