السعودية وإيران… “بدو” و”حَضَر”؟

تخلّت المملكة العربية السعودية السنة الماضية عن قاعدة اساسية أستند إليها عملها السياسي في المنطقة والعالم، وهي عدم الانخراط في مواجهات مباشرة مع الأخصام والأعداء كما مع الأصدقاء والحلفاء عندما تتناقض مصالحها مع مصالحهم. وقد ظهر ذلك واضحاً في الموقف الرسمي المعلن الداعي إلى إزالة التهديد المباشر الذي تشكّله عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما على دول مجلس التعاون الخليجي. وظهر أيضاً في الجهر بتأييد المعارضة السورية ومطلبها زوال نظام الرئيس بشار الأسد بأجهزته ومؤسساته ورموزه. وظهر ثالثاً في تأييد المواقف السلبية لـ14 آذار اللبناني من “حزب الله” وأبرزها رفض تدخله العسكري في سوريا ضد المعارضة. وظهر رابعاً في الانتقاد العلني والرسمي والمباشر الذي مارسه مسؤولون سعوديون كبار لسياسة الحليف الدولي الأكبر لها أي أميركا بسبب مواقفها المترددة من دعم ثوار سوريا، وغير الحازمة مع إسرائيل المعطّلة لأي تسوية سلمية مع الفلسطينيين ومن زمان، والمنخرطة بحماس في الحوار مع إيران الشامل إلى ملفها النووي قضايا المنطقة كلها وربما النظام الإقليمي الجديد فيها، وذلك رغم إنكارها شمولية هذا الحوار. وظهر خامساً وأخيراً في الدعم الفعلي الذي بدأت تقدمه لكل الجهات الاقليمية التي تلتقي معها على “العدوّ” الواحد وإن المتشعِّب في وجوده الاقليمي، والذي جعلها شريكة فعلية وأحياناً موجِّهة لهذه الجهات، تماماً مثلما هي إيران شريكة فعلية لحلفائها في المنطقة من منظمات ودول.

لكن الذي لم تتخلَّ عنه المملكة العربية السعودية بعد، وربما لن تتخلى عنه، هو عدم الانفتاح الاعلامي المعلوماتي الذي يزوّد الرأي العام المؤيد لها ولسياستها في العالم العربي والاسلامي على الأقل، ليس الـ”بروباغندا” فقط اي الدعاية، ولكن ايضاً المعلومات والمعطيات والتحليلات التي تمكِّنه من تكوين فكرة حقيقية عن المسيرة التي يؤيدها ويدعمها كما عن مصيرها. وهذا أمر مخالف لما تفعله ومن زمان غريمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية. علماً أنّ الإنصاف يقضي بالاعتراف بأن نشر كل “الأسرار” في وسائل الإعلام أو بواسطتها لا يسهِّل الحلول بل ربما يحبطها. كما يقضي بالاعتراف بأن إيران نجحت في صنع “خلطة دعائية – معلوماتية” تخدُم مخططاتها وحلفاءها، ولا تزود الرأي العام الحليف إلا ما يبقيه على تأييده بل على ما يضاعفه وما يضعف عزيمة الرأي العام المعادي.
رغم ذلك كله تبقى مهمة الاعلام، وخصوصاً الذي منه موضوعي الاستمرار في السعي إلى الحصول على “المعرفة” عن السعودية سواء منها أو من الذين تتصل بهم طبعاً بعد إجراء التحقُّق اللازم. إذ لا يجوز أن يبقى الرأي العام المؤيد لها والمعادي أسير “البروباغندا”. إنطلاقاً من ذلك ننشر في “الموقف” اليوم معلومات قيلت وربما تمّت مناقشتها، ولكن على نحو غير مباشر ومن جهات قريبة في شكل أو في آخر من بطلَيِ المواجهة الاقليمية أي السعودية وإيران. وفيها أن المملكة لا تستبعد أن تكون سنة 2014 التي بدأت قبل أحد عشر يوماً سنة التسوية أو بالأحرى الحل. وأنها ليست ضد التفاهم مع إيران. لكن الاختلاف بين نهجَي الدولتيْن وربما النِظاميْن والمجتمعيْن، ربما هو الذي حال حتى الآن على الأقل دون التفاهم على آلية للتوصل اليه. فايران، وإن في ظل النظام الشرعي الاسلامي، دولة “حَضَر” تخطّط وترسم وتدرس وتحدِّد مصالحها وتبحث عن وسائل تحقيقها وحمايتها، وتساوم من أجل ذلك، وربما تغشّ أيضاً. في حين أن المجتمع السعودي “بدوي” وطبيعي أن يعكس ذلك نفسه على الدولة السعودية. فعند “البدو” وخصوصاً العرب منهم، يمكن أن تؤدي خطوة عفوية، “قعدة عرب” مثلاً كما يقال، أو كلمة جيدة أو قُبلة أو مبادرة عفوية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين الحال مع الخصم أو مع العدو أو إلى الإعداد فعلياً لذلك. مثلاً جلسة غير رسمية بين العاهل السعودي ومسؤول إيراني كبير أو بالأحرى الأكبر يمكن أن تبدأ بقبلة ترحيبية وتنتهي بحل مشكلة من مشكلات كثيرة أو تمهِّد الجو لذلك. فالمملكة تتبع الأعراف والتقاليد وتفضِّلها على القوانين والأنظمة رغم اعترافها بأن الأخيرة حاجة ماسة إلى كل الدول. لكن الروح “البدوية” أو القبلية المشروحة أعلاه تساعد على تطبيق القوانين والأنظمة، أو على إزالة العقبات من أمام هذا التطبيق. ولهذا السبب، يقول سامعو هذه النظرية وبعضهم مؤمن بها، لم تستطع المملكة التفاهم مع إخوان مصر ومع أحزابها وليبرالييها. وللسبب نفسه كان تفاهمها أسرع مع الجيش المصري و”قائده” اللواء عبد الفتاح السيسي.
هل هناك مزيد عن هذه النظرة الى المملكة؟

السابق
فلسطينيون نازحون من سوريا إلى بعلبك (1)
التالي
آلان عون: الوضع الامني والتطورات الاقليمية دفعت لانضاج تسوية