ثمانات … الأمر الواقع؟

يحضرنا وسط الموجة المتصاعدة للدفع قدما بتشكيلة حكومية جامعة سوابق لا تعد ولا تحصى في محن نهايات العهود الرئاسية في لبنان التي نادرا ما مرت الا على ازمات فتحت البلاد على اضطرابات تداخلت فيها احتقانات ومداخلات خارجية. من عهد الرئيس بشارة الخوري الى عهد الرئيس ميشال سليمان يكاد يكون نادرا انتقال سلس بين العهود الا اذا استثنيت حالة واحدة فرضها الوصي السوري في عهدي الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود بقبضة التمديدين اللذين انتهى الثاني منهما بويلات ولو كان من افضاله جلاء الوصي عن لبنان.

يبدو جليا ان هذه الحقيقة تجثم في ذهن الرئيس سليمان الذي يحاذر تكرار تجربة الثواني الاخيرة في عهد الرئيس امين الجميل بتشكيل حكومة عسكرية اقامت على تداعياتها واقع الحكومتين والفراغ الرئاسي، وكذلك يحاذر تكرار تجربة نهاية عهد الرئيس لحود الذي غادر القصر من دون شاغل جديد سحابة سبعة اشهر انتهت بانفجار ٧ ايار ٢٠٠٨. على هذا الوقع قامت محاكمة استباقية ولا تزال لما يسمى حكومة امر واقع بصفتها الحيادية. ولا نغالي اذا افترضنا ان غالبية اللبنانيين اليوم لن يحاسبوا كما عادتهم ولن يكونوا الا متسامحين مع اي حكومة جديدة اذا كانت ستشكل عنوان احتواء للجحيم الطالع في يومياتهم. حسابات القوى السياسية التي تبدو امرا نافلا في مكان، وحسابات الناس في مكان آخر. ولكننا لا ندري ما اذا كان تشكيل حكومة ولو جامعة سيجدي بعد في لجم القفز في الهوة بعد كل هذه الاستباحة الاقليمية للبلد.
لذا ترانا نتساءل عما سيكون عليه الفارق بين حكومة حيادية او حكومة الثمانات الثلاث بمعيار الامر الواقع. الامر الواقع هنا، بمعيار الناس واحد ان يفرض الجحيم الامني مرة جديدة جلوس قوى ١٤ آذار و”حزب الله” الى طاولة حكومية واحدة وهذا بذاته اشد تجليات الامر الواقع وضوحا وافصاحا عن استحالة اي خيار آخر ما دامت نهاية العهد تنذر بفتح البلاد على ما يفوق هذه المرة كل التداعيات الخطرة للسوابق والتجارب التي عرفها لبنان. كيف وبأي اثمان واكلاف ومقايضات وتنازلات؟ لا نعرف. فالخيارات الحاسمة باتت تحت رحمة توازن الرعب. نحن الآن امام ضاحية جنوبية مذعورة وامام فريق سياسي لم يعد اثنان منه يجرؤان على ضرب موعد للقاء حتى شخصي. كذلك نحن في مواجهة خطر الفراغ الرئاسي وذلك الغامض الذي ينذر باسقاط كل المعادلات الحسابية الحكومية الرائجة والجاري تسويقها اذا، لا سمح القدير، عاد عصف الارهاب يضرب مجددا على وقع تعميم نشرات الرعب واخافة الناس وتجفيف ما تبقى من بقايا اقتصادية متهالكة. ذلك هو امرنا الواقع ولا شيء آخر.

السابق
مصادر “المستقبل” لـ”الجمهورية”: ننتظر الإجابات على الاسئلة الخمسة
التالي
بعبدا لـ«حزب الله»: مصلحتك أن تتفيأ بالدولة