«تنازل».. ليست مجرد كلمة من خمسة أحرف

يقول السيناتور السابق آلان سيمبسون: إن لم تتعلم كيف تتنازل في القضايا دون أن تتنازل عن نفسك، فيجب ألا تكون في الكونغرس، ولتكن في التجارة أو تتزوج. من المدهش كم من الناس ينتهكون هذه القاعدة، لا سيما في الكونغرس، خاصة بين أمثال «حركة الشاي»، حيث يعد وصف شخص بأنه «صانع صفقة» من أحط أنواع التحقير. ومما يزيد الأمر هوسا أن «التعاون الوثيق» أصبح يُدرس اليوم ويكافأ عليه في التعليم الأميركي والإبداع والتجارة بوصفه أفضل الطرق لأداء أي شيء كبير ومهم ومعقد. تعني كلمة «متعاون» في وادي السيليكون «سيليكون فالي» (في خليج سان فرنسيسكو شمال كاليفورنيا حيث مقر كبرى شركات التقنية) الشخص الذي تبني معه شيئا عظيما. أما في واشنطن، فتعني الكلمة الشخص الذي يرتكب الخيانة السياسية بالعمل مع شخص من الحزب الآخر. ولهذا السبب، فإن «سيليكون فالي» هو محرك التوربو لاقتصادنا، وواشنطن هي حجر العثرة.

لا يعد التنازل في عالم السياسة فضيلة في حد ذاته. هناك أسئلة حول المبدأ الحقيقي والحقوق المدنية على سبيل المثال، حيث يمكن للتنازل قتل الخيار القائم على المبدأ. لكن حدث تضخم في «المبادئ» خلال الفترة الأخيرة يمنع من التنازل. لا يحدد معدل معين للضريبة ولا عمر معين للتقاعد من المبادئ.. فهما مصالح تجب موازنتها مقابل الآخرين. واليوم إن أفضل وضع يمكِّننا من مجابهة تحدياتنا الكبيرة هو تبني هجين من أفضل أفكار اليمين واليسار.. وحقيقة إننا إن عجزنا عن ذلك، فستضعف قوتنا.

مثلا في مسألة الدين والإنفاق على الكونغرس، استدانة الأموال بمعدلات فائدة منخفضة بصورة غير عادية، للاستثمار لمدة 10 سنوات لتطوير بنيتنا التحتية المتهالكة وزيادة التمويل الهائل لمختبراتنا الفيدرالية وجامعات البحث ومعاهد الصحة، التي هي بمثابة جنات للعديد من الشركات المبتدئة.. بإمكان هذه الاستثمارات مجتمعة تحفيز التوظيف المستدام والإبداع وخلق الثروة التي تقوم بتسديد تكلفة تلك الاستثمارات.

لكن تجب مقارنة هذه الاستثمارات القصيرة المدى بالتخفيضات المستحقة للمدى الطويل، وتخفيضات الدفاع والإصلاح الضريبي الذي سيجري تطبيقها تدريجيا حسب تحسن الاقتصاد، حتى لا نضيف مزيدا من الأعباء المالية على الأطفال المثقلين أصلا بالأعباء المالية، ونحرمهم من موارد الاستثمار في المستقبل، أو نترك اقتصادنا هشا وعرضة للصدمات المفاجئة والركود المستقبلي أو الضيق، الذي من المؤكد أنه سيأتي عندما تصل مواليد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا ما بين 1946 و1964 إلى سن التقاعد (في أميركا). فضل الرئيس أوباما مثل ذلك الهجين، لكن أسقطه جناح «حركة الشاي» قبل أن نرى ما إذا كان بمقدور أوباما إقناع قاعدته به.

علينا استغلال ثروتنا الجديدة من الغاز الطبيعي، ولكن فقط عن طريق ربطها بأعلى قواعد الاستخراج البيئي ومستوى المحفظة الفيدرالية للطاقة المتجددة المطردة النمو.. سيضمن ذلك حلول الغاز محل الفحم وليس محل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو غير ذلك من أنواع الطاقة المتجددة. يصبح الغاز الصخري بتلك الطريقة جسرا لمستقبل الطاقة النظيفة وليس مجرد إدمان لوقود متحجر مزعزع للمناخ أقل اتساخا.

تقوم اتحادات المعلمين حقا في بعض المدن بإصلاح تعليمي.. ولكن علينا التوقف عن لوم المعلمين وحدهم. لدينا أيضا مشكلة آباء وأمهات: مشكلة الوالدين اللذين لا يهتمان بدراسة أولادهما في المدارس أو لا يضعان لهم مستويات عالية لتحقيقها. ولدينا مشكلة طلاب أيضا: الطلاب الذين لا يفهمون الارتباط بين مهاراتهم وبين فرصهم في الحياة والذين لا يرغبون في العمل حسب المعايير العالمية الحالية. يتطلب الإصلاح دمجا بين إصلاح المعلمين والحملة الفيدرالية – وليس مجرد خطاب واحد – لمواجهة الآباء بالتحدي وخلق ثقافة الاحترام والتحمس للتعلم. فشل أوباما في استغلال منبره الرائع الفريد لقيادة مثل تلك الحملة.

أخيرا، قلص دمج العولمة وثورة تقنية المعلومات من قاعدة الطبقة المتوسطة القديمة ووظائف الأجر العالي والمهارات المتوسطة.. فهناك، وعلى نحو متزايد، وظائف الأجر العالي والمهارات العالية فقط. كما أدى دمج العولمة وثورة تقنية المعلومات إلى تعزيز قوة الرأسمالية وآلتها الجوهرية للتدمير الخلاق.. لهذا السبب، فالجمهوريون مخطئون عندما يعارضون رفع الحد الأدنى للأجور وتوسيع الرعاية الصحية الفيدرالية. إن من شأن مثل هذه الأنواع من شبكات السلامة الاجتماعية أن تجعل السوق الحرة ممكنة، وإلا، فإن الناس لن يتحملوا التدمير الخلاق القوي. لكن هكذا هي الرأسمالية دائما.. شركات مبتدئة.. مخاطرة ومقاولات مشاريع تجعل مثل تلك الشبكات متاحة. لهذا السبب نحتاج إلى مزيد من الحوافز الضريبية للشركات المبتدئة، وبدائل لضريبة الكربون على جدول الرواتب وضرائب على الشركات، مع مزيد من التقليل من القواعد التي تثقل كاهل الأعمال التجارية.

لسوء الحظ، يختفي التشجيع على ارتياد المخاطر كما يختفي مرتادو المخاطر من أجندة الحزب الديمقراطي. وتتركز طاقة الحزب الديمقراطي وتحمسه أكثر حاليا على توزيع الثروة أكثر من خلق الثروة.

بالنسبة للهجرة، توصل النواب الجمهوريون والديمقراطيون معا إلى حل هجين معقول، لكن «حركة الشاي» في الكونغرس تعترض ذلك. ليست هذه الحلول الهجين من أجل تقسيم الاختلاف، بل هي من أجل إحداث فَرق. ولكن لن يمكن إنجاز تلك الحلول إلا إذا استطاع زعماء الحزب الجمهوري استيعاب «حركة الشاي» التي حولت الحزب إلى حزب يمين الوسط مرة أخرى. إن حدث ذلك، فأنا متأكد أن الولاية الثانية لأوباما، الذي هو من يسار الوسط أكثر مما تُظهر كاريكاتيرات الحزب الجمهوري السخيفة، ستلتقي بهم في الوسط. وفي غياب ذلك، سننجرف عاجزين عن مواجهة أي من تحدياتنا أو فرصنا الكبيرة.

السابق
«داعش» قناع وحشي.. والنظام وجه متوحش!
التالي
ليبرمان: لإعدام النواب العرب الإسرائيليين الذين التقوا أعضاء من حماس