المقاوم خليل صادر.. الماروني العلمانيّ العاملي

خليل صادر
ثمة أناس تميزوا في مجتمعهم، واختلفوا في نمط تميزهم، بقدرتهم على اتخاذ الموقف وفرض اختلافهم عن نمط مجتمع عشعشت فيه العصبية والطائفية والحزبية، فكانوا أقدر على مواجهة الواقع، بكبرياء وجلد. وخليل صادر كان من هؤلاء الذين دخلوا كل قرية أو بلدة ليتركوا فيها أثراً أو مثلاً. كان ماروني الهوية (من بلدة عين ابل الجنوبية)، علماني الفكر قومي المبدأ، في وسط شيعي احترمه وقدر وطنيته.

ثمة من رفضوا التمييز والطبقية، وتعالوا على الغرائزية بايمانهم بالوطنية والأممية، وخليل صادر كان من هؤلاء الذين دخلوا كل قرية أو بلدة ليتركوا فيها أثراً أو مثلاً، فمن كان يجالسه، يهابه باحترام دون أن يخاف منه، بل يطمع بصحبته، حباً بكسب الخبرة من رجل يقوى على اقتناص الصحاب، الذين من خلالهم أصبح رائداً في كسب أكبر عدد من الأصدقاء. كان خليل صادر ماروني الهوية (من بلدة عين ابل الجنوبية)، علماني الفكر قومي المبدأ، في وسط شيعي احترمه وقدر وطنيته، حتى من أكثر الناس تزمتاً وايماناً بالعقيدة الدينية، فكانوا من أكثر الناس حزناً على رحيله. فبات من السهل البحث في شخصية الراحل، لكثرة معارفه والمقربين منه، لا بل تجد أن كل واحد من معارفه يعتقد أنه من أكثر الناس صحبة معه. وما لدينا هو ما جاء على لسان بعض من الذين عرفوه عن قرب.

يقول الياس مطر، الذي رافق المرحوم صادر منذ صباه إلى حين وفاته، «خليل صادر استحق اسمه بالجزأين: فهو خليل بكل ما للكلمة من معنى، حميم العلاقة ووفي السريرة، تأمن إليه بسرّك من دون تحفظّ، وهو صادر بمعنى أنه منطلق لا ينتظر أن يأتيه الناس حتى يبادر إليهم، بل يبادر من تلقاء نفسه بمثالية. فقلما يرد حيث يرد الآخرون، من هنا كان رفضه للتقليد، وقلما يستطيع الآخرون أن يصدروا حيث كان هو يصدر، ومن هنا نداء التجديد وفعل التجديد، في السياسة أولاً، وفي المجتمع الذي يجب أن تخدمه السياسة ثانياً. لذا رفض أن يخدم السياسة وأصرّ على أن تكون السياسة في خدمة الناس. وفي صحبته يقول مطر «كنا تِرْبَيْ صف ورفيقَيْ ملاعب وصاحبَيْ أهواء ونزوات، هنا في عين ابل وهناك في مدرسة مشموشة، ولا سيما البلدات العامليات في الأفراح والأتراح وفي الأزمات والسياسات والمخاطر التي كانت تهدد الوطن قبيل العام 1975».

وما يتذكره مطر، في حديث لـ”جنوبية: «إن صادر في المرحلة المتوسطة، ولسبب لا أعرفه، كاد أن يتراجع عن متابعة الدراسة، غير أنه فجأة وفي صف «البريفيه» نهض كمهر ووثب كجواد، وتمايز عن غيره، وفي تلك المرحلة هجس بالاشتراكية وقرأ عنها وفيها، وبقيت الاشتراكية هاجسه حتى انفتح على عقيدة البعث”.

ويذكر مطر أن صادر في صف البكالوريا جذبه الأدب العربي بفضل أستاذين، أحدهما راهب، وآخر صربوني اسمه خليل صابر. وبفضلهما نال صادر أعلى علامة في لبنان في الأدب العربي في الامتحان الرسمي آنذاك: «خليل صادر ظلمته عقيدته إذ باعدت بينه وبين كثيرين من أترابه، في زمن كان الانتماء القومي العربي هرطقة عند معظم أبناء مجتمعه، لكن ظلمها له عوضه عنه انفتاحه لا على جبل عامل فحسب، بل على مثقفي القطرين اللبناني والسوري”.

فخليل صادر كان مشبعاً بالعلمانية وقد رأى كمعظم الموارنة أن الخلاص في القومية العربية التي كان يرمز إليها كل من عبد الناصر والبعث. وكانت الماركسية خير لباس له، لا بمعناها الإلحادي، بل بطروحاتها التحررية والاشتراكي: “المرحوم صادر جابه مشروع التنسيق مع إسرائيل عام 1976، وكان يرى في من رأى أن هذا المشروع انتحار للبنان، فقاوم مع من قاوموا بالموقف الصلب حتى حمله هذا الموقف على النزوح القسري إلى بيروت، لا لشيء إلا للمحافظة على السلم الأهلي في البلدة والجوار.

ويختم مطر ما يذكره من مآثر المرحوم: «وقف معلم الرياضيات ( ويقصد المرحوم صادر) إلى جانب اللوح وأدار وجهه نحو تلاميذه وقال : يا أحبائي أن بلدتنا عين ابل ليست جزيرة في بحر، وان وطننا ليس جزيرة منسية في أقيانوس، بلدتنا بعض من جبل عامل، وما يصيب الجذع يصيب الفروع، وان وطننا بعض من بلادنا العربية، وما يصيب الواحدة منها يصيب الجميع، فتبصروا وأحسنوا الاختيار. وقبل أن يدير وجهه إلى اللوح كان عسكر النظام في الباب، ومشى المعلم ومشى حوله العسكر».

يذكر رفيق عتمة (عين ابل) أنّ صادر كان من الطلاب الذين تتلمذوا على يد المرحوم خليل صادر في الصفوف الابتدائية والثانوية، ومن بعد ذلك أصبح مرشداً له في السياسة والاجتماع: «خليل صادر هو الذي أرشدنا في بداية حياتنا الى وجوب الاهتمام بالقضايا الانسانية والاجتماعية وسلط لنا الضوء على القضايا المهمة في الحياة، وطلب منا الاهتمام بقضايا المجتمع الأساسية، وقال لنا وقتها ان هناك قضايا انسانية واجتماعية يجب أن تعرفوها وتأخذوا موقفاً منها، فمن خلاله عرفنا أن لنا دوراً في المجتمع واننا ننتمي الى محيط أوسع، وقومية وأمة وطبقة اجتماعية أقرب الى الطبقة العمالية الكادحة».

ويُشبِّه عتمة المرحوم صادر بأنه «طائر غرّد خارج سربه، فهو من بيئة مسيحية متزمته، كان يغلب عليها الطابع اليميني، لكنه كان علمانياً ووطنياً منفتحاً على الآخرين، يتلمس قضايا الأمة ويدافع عن القضية الفلسطينية ويدعم المقاومة الفلسطينية فأصبح مغضوباً عليه في البلدة» ويعتبر عتمة أن خليل صادر «كان الملجأ الذي يدعم مواقفنا ويشجعنا على سلوك المنحى الوطني والقومي، فهو الشجرة التي يتفيّأ تحتها من يتعب ويظمأ من البيئة الضيقة والمتعصبة».

السابق
الجنرال ديمبسي يواجه أمراء داعش في سورية
التالي
مع المقاومة.. ومع اللاجئين السوريين