الرئيس سيلمان بين الجرأة والمغامرة

في سيرة الرئيس ميشال سليمان نحو عشرين وساماً محلياً ودولياً، بينها وسامان لافتان، أولهما وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة والثاني قلادة الملك السعودي عبد العزيز. كيف لصدره اليوم أن يحمل وسامين متناقضين. لا بد من خيار.
في سيرته العسكرية أيضاً قتال ضد الجماعات التكفيرية والارهابية. فيها كذلك موقف مناهض لإسرائيل، وشهادة ليسانس في علوم السياسة. ماذا سيفعل بعد انتهاء ولايته الرئاسية؟
قد يكون السؤال سابقاً لأوانه. ثمة من يسأل ماذا يفعل قبل انتهاء ولايته؟ يعبِّر الرجل في الوقت الراهن إما عن شجاعة استثنائية أو عن مغامرة استثنائية. لعل الوزير علي حسن خليل والحاج حسين الخليل فكرا في ذلك وهما يستمعان اليه قبل يومين. لعلهما تذكرا لقاءً جمعهما به وبحضور رئيس تيار المردة سليمان فرنجية قبل سنوات حين عادا من دمشق بكلمة السر لانتخابه رئيساً.
هي جرأة استثنائية أن يتحدى حزب الله وحركة أمل وفرنجية والعماد ميشال عون وكل حلفائهم. هي مغامرة استثنائية أن يمضي بحكومة بدون حزب الله إذا كان فعلاً مطلوباً منه ذلك. مغامرة قد تصبح أكثر خطورة إذا ما تمسك رئيس جبهة النضال وليد جنبلاط بموقفه الرافض أي حكومة بدون الحزب. يبدو أنه سيتمسك. رئيس مجلس النواب نبيه بري يقول لضيوفه إنه واثق تماماً بموقف صديقه.
كسب رئيس الجمهورية بمغامرته هذه ودّ كثيرين. الاميركيون، الفرنسيون، السعوديون وقاعدة سنيّة وبعض القاعدة المسيحية وغيرهم. بات كل من يعادي حزب الله وإيران ينظر اليه على أنه الصخرة التي تكسرت فوقها كل التحذيرات والتهديدات. لم يعد وسام الاستحقاق السوري مهماً. منذ أن اقتنع ميشال سليمان وعدد من الاطراف اللبنانية بحتمية سقوط حكم الرئيس بشار الأسد تغيرت المعادلة. لم يسقط حكم الأسد، لكن المعادلة مستمرة. تفاهمت إيران والغرب والمعادلة مستمرة. سلّمت دمشق أسلحتها الكيميائية والمعادلة مستمرة. صارت مكافحة الارهاب عنوان المرحلة المقبلة والمعادلة مستمرة. مشكلة بعض الاطراف اللبنانية أنها تمضي في معادلتها، وحين يتغير المحيط لا تنتبه فتدفع الثمن.
يحكى عن نصائح أُسديت قبل أيام، ومن أطراف غربية وبعضها أميركي، بضرورة عدم الصدام مع حزب الله في الوقت الراهن. يقال إن هذا ساهم في تخفيف سرعة الذهاب نحو حكومة أمر واقع، لكنه لم يلغها. أطراف أخرى تدفع باتجاه الصدام.
ما عاد تشكيل الحكومة في لبنان شأناً محلياً. لم يكن الامر أصلاً في تاريخ بلد الارز شأناً محلياً. هنا يصبح السؤال مفصلياً عمّا إذا كان الرئيس سليمان جريئاً بدرجة استثنائية أم هو مغامر بدرجة أكبر.
كل القدرة الهائلة لدى الرئيس بري في تدوير الزوايا وتكعيب الدوائر لم تنفع في خلق مثلث الحكومة الشهير بالثمانات الثلاث. كل الرسائل المعلنة والمبطنة لسيد المختارة لم تثن سيد بعبدا عن خطوته. كل التحذيرات والاشارات بالتهديد التي صدرت عن حزب الله والخليلين وفرنجية والامير طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب وغيرهم ما غيّرت شيئاً في اقتناع الرئيس.
في المشهد اللبناني، يستطيع ميشال سليمان أن يفاخر بعد تركه الرئاسة بأنه خاض معركة شرسة لحماية المؤسسات والدستور. يستطيع القول كذلك إنه أول من تحدى حزب الله وسوريا وكل حلفائهما من هذا الموقع منذ انتفاضة عون. السياسة فن الممكن، هكذا تعلم الرئيس سليمان في خلال سعيه للحصول على ليسانس العلوم السياسية. حين كانت السياسة تفترض الحصول على دعم دمشق للوصول الى الرئاسة فعل. حين تناقضت الأهداف الحالية والمقبلة مع دمشق لم يتردد في تقديم الوسام السعودي على الوسام السوري.
لكن في السياسة مبدأ آخر يقول إن المصالح تطغى على المبادئ. ولأن مصالح أميركا حالياً هي في التفاهم مع إيران، ولأن مصلحة روسيا تكمن في عدم إضعاف حلفائها في المنطقة، ولأن المصلحة الدولية ترفع مكافحة الإرهاب عنواناً لمرحلة مقبلة، يصبح لبنان مجرد ورقة في مهب الرياح. هذا نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي يضرب الارهاب الداعشي فيحصل على وسامين، أولهما أميركي والثاني إيراني. هذه داعش السورية بمجرد أن تغيَّر المناخ الدولي اتُخذ القرار بإنهائها لمصلحة قوى لا يقل بعضها عن داعش خطورة. هذا اللواء علي المملوك، مدير الأمن القومي السوري، يتفنن في من يستقبل ولا يستقبل من طارقي بابه الأوروبيين الساعين للتنسيق ضد الارهاب.
لعل الرئيس سليمان مقتنع بأنه ما عاد عنده ما يخسره. أدرك منذ فترة طويلة أن لا تمديد ولا تجديد. رفع هو نفسه شعار عدم التمديد. لعله صادق في مساعيه الدستورية. لعله موعود بمنصب عربي أو دولي بعد الرئاسة. لعله مقتنع بأن لا همّ إن خسر قاعدة شيعية ما دام قد ربح قواعد كثيرة أخرى. لعله محكوم بضغوط وإغراءات دولية كبيرة…
كل ذلك وارد، لكن الاكيد أن الطرف الآخر يستعد لكل الاحتمالات. لا شك في أن هذا الطرف لن يترك الرئيس يحصل على وسام إضافي قبل مغادرته الرئاسة إن غامر بحكومة أمر واقع. فهل يغامر ويكمل المعركة فيقصي حزب الله؟
التحدي في أوجه. وحين يقع بلد كلبنان في دائرة صراع المحاور، تصبح الرئاسة في مهب الريح وليس فقط الحكومة. هنا السياسة فن المتمكن وليس الممكن.

السابق
لقاء «السيد» ـ «الجنرال»: كثير من التساؤلات والهواجس
التالي
ماذا بعد «داعش»؟