بكركي: ولّى زمن المواقف

ماذا تريد بكركي؟

في الأيام الأخيرة، مواقف متعددة ـ متناقضة. منها ما هو واضح ومفهوم، منها ما هو غير واضح وغير مفهوم. تارة مع رئيس الجمهورية إلى ما لا نهاية وتارة تترك الرئيس يواجه مصيره منفرداً. تارة مع حكومة الآن، تارة لا مشكلة لديها في حكومة ولو بعد وقت لو طال.

ليست المرّة الأولى التي يقول فيها البطريرك بشارة الراعي الموقف وعكسه. لكنه في السابق كان يُمهل نفسه بضعة أشهر. مرّة قال إنه يجب حماية سلاح حزب الله. انتظر كثيراً قبل أن يتحدث عن فلتان السلاح وعن أهمية أن يكون بيد الدولة كي تواجه ما تتعرّض له.

كان الراعي إلى قبل نهاية العام 2013 بيوم واحد، يدعم رئيس الجمهورية في أي خطوة يقوم بها. بل شجّع على الإسراع في تشكيل حكومة حيادية لأن حكومة ما يسمى بالوحدة الوطنية ستتحوّل إلى متاريس. الكلام للراعي في مطار بيروت قبيل مغادرته إلى روما. قال ما لم يكن يقوله لا ميشال سليمان ولا رئيس الحكومة المكلف تمام سلام. ومضى.

الآن الوضع مُختلف. يظهر رئيس مجلس النواب نبيه بري في 31 كانون الأوّل من العام 2013. يقول: أي حكومة تأتي من خارج التوافق الوطني، سواء كانت حيادية أو تحمل لون 14 آذار، ستقود الى تداعيات خطيرة. مثل هذا الخيار الآحادي الجانب يعني تلقائيا تطيير الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي ضرب موقع رئاسة الجمهورية، لأن محاولة فرض حكومة على الآخرين ستتسبب تلقائيا بقطيعة تامة وبتحطيم آخر جسور التواصل السياسي، بحيث سيصبح متعذرا تأمين المناخ الملائم للاستحقاق الرئاسي.

تغيّر الوضع. ضرب بري على وتر بكركي. فجأة صار الراعي مع حكومة وحدة وطنية. يرفض أي حكومة حيادية لأنها تعطل الاستحقاق الرئاسي. في اليوم التالي على كلام بري، صار البطريرك مع حكومة وفاقية، من أجل “ضمان نجاحها في تأمين مصلحة البلاد والمواطنين (..) وبخاصة من أجل إعداد الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري. ثم يقول الراعي: يجب حماية الاستحقاق من أي انتكاسة بسبب الخلاف القائم حول صيغة الحكومة الجديدة. انتهى كلامه، ليفتح مرحلة جديدة من تفكير جديد ومواقف جديدة مغايرة تماماً لما كانت عليها سابقاً. من حيث يدري أو لا يدري، ترك الراعي ميشال سليمان وحيداً لمواجهة ما يتعرّض له من ترهيب متعدد الأوجه.

لعب بري على الوتر الحساس: الموقع المسيحي الأوّل في خطر. انهارت بكركي ورأسها. قلبت خطابها رأساً على عقب. افتتح الراعي التحوّل سريعاً. رمى كل ما سبق وقاله عن الحكومة والإنسجام وما فعلته حكومات الوحدة سابقاً. ظهر المطران سمير مظلوم. هذا زمانه. بدأ يوزّع تصريحاته هنا وهناك. كلّها تُختصر بجملة واحدة: بكركي ضد حكومة الأمر الواقع لأنها استفزازية وستخلق ردّات فعل.

حتى من كان يأمل أن كلام مظلوم لا يُمثل بكركي مُني بخيبة جديدة. “كل ما يقوله المطران هو ما تريد بكركي أن تقوله”. انتهى التوضيح. أكمل مظلوم حديثه عن أهمية التوافق ورفض أي حكومة أمر واقع. لم يسمّها حيادية. كذلك تفعل 8 آذار. الأدبيات السياسية لدى رجال الكنيسة يُمكن لها أن تُعبر عن ميولهم.

ثم، بعدها، عاد الإلتباس. عظة الأحد لم يُفهم منها ما يُريده الراعي. دعا الجميع إلى “تلبية دعوة رئيس الجمهورية من أجل الحوار”. الدعوة قديمة. تابع: للتجاوب مع سعي رئيس الحكومة لتأليف الحكومة المناسبة وللعمل معاً على إعداد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري. انتهت العظة المفتوحة على كل الاحتمالات. والمشرّعة أمام تأويل كل من هو معني بالتشكيل.

تستمرّ بكركي في إشاراتها المترددة والغامضة. المطارنة الموارنة يدعون إلى “تشكيل حكومة تكون على مستوى التحدّيات الراهنة”. هذا عدا عمّا سبق للراعي في عظة الأحد أن قاله حين ساوى بين 8 و14 آذار في مسؤوليتهما عن الاغتيالات والتفجيرات التي تحصل.

في أقل من عشرة أيام، لبست بكركي أوجهاً متعددة. مع رئيس الجمهورية ولكن. مع تشكيل حكومة ولكن. تصريح واحد لبرّي غيّر كل ما كان من مواقف. صار سليمان وحيداً في معركته وفي المعركة ضده. كُل هذا، وبكركي هي الملاذ الآمن للمسيحيين. أو بالحد الأدنى، هكذا تُقدم نفسها. وهكذا كان يعتبرها كُثر.

السابق
لاعب ألماني يعلن عن مثليته الجنسية
التالي
فريد الاطرش.. تحية من دار الاوبرا المصرية