الحرب على الارهاب

أين يبدأ توظيف الارهاب في ألعاب الكبار وسياسات الأنظمة، وتنتهي الحرب على الارهاب؟ سؤال يصعب الهرب منه بمقدار ما يسهل التلاعب بالجواب عنه. وهو كان ولا يزال مطروحاً منذ صار الارهاب هاجس أميركا بعد تفجيرات ١١ أيلول وهاجس روسيا بعد حرب الشيشان، ثم هاجس الشرق الأوسط بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق وما ظهر من انحرافات في المسار الأصلي لثورات الربيع العربي.

وفي البدء كان البحث عن الأقنية السرية للعمليات المكشوفة. فليس هناك طرف واحد، ولا سبب واحد، وراء بروز التيارات الأصولية الارهابية التي تتسلط الأضواء اليوم على واحد بالغ الخطورة والدور بينها مرتبط بتنظيم القاعدة هو الدولة الاسلامية في العراق والشام الذي مختصره داعش. ولا جدال في اعطاء الأولوية لمحاربة الارهاب عموماً وهذا التنظيم خصوصاً. فالجبهة واحدة في العراق وسوريا ولبنان وبلدان أخرى. والخطر واحد، وإن تعددت الجهات التي تواجهه وتنوعت الأهداف من توظيفه.

لكن الحرب على الارهاب أشد تعقيداً من اختصارها بالوسائل العسكرية والأمنية، على أهمية هذه الوسائل. فلا العمليات الأميركية النوعية واستخدام طائرات من دون طيار أنهت الارهاب. ولا كل ما تفعله موسكو منع حدوث التفجيرات الانتحارية في روسيا. والمسألة أصعب في العراق وسوريا ولبنان ومصر وتونس وليبيا واليمن.

ذلك أن عوامل النجاح في الحرب على الارهاب تبقى محدودة في ظروف غير ملائمة أبرزها ثلاثة. الأول هو وجود انقسام عمودي وأفقي في المجتمع تحت عناوين سياسية وايديولوجية وطائفية ومذهبية. والثاني هو أن تُدار الحرب على الارهاب في اطار حرب أهلية تتداخل فيها العوامل الاقليمية والدولية. والثالث هو الاندفاع في الحرب على الارهاب، مع إبقاء أسباب الارهاب قائمة، ومن دون اعطاء الأولوية لتسوية الأزمات الوطنية والسياسية.

والوقائع صارخة على الأرض. لبنان يحارب الارهاب، وهو في فراغ سياسي وفي عجز عن وقف كل ما يجذب الارهابيين اليه. والتاكتيك واحد في العراق وسوريا: استخدام مخاطر داعش وأخواتها لتغيير الموضوع الأصلي الذي هو المطالب الشعبية، وبالتالي الحفاظ على الوضع كما هو عبر تحديد الخيار أمام الجميع: نحن أو الارهاب الأصولي التكفيري. فالمشكلة في العراق هي فشل العملية السياسية وتجاهل المطالب الشعبية لأهل الأنبار وتركيز السلطة في يد نوري المالكي بدعم ايراني وأميركي. والمشكلة في سوريا هي تفضيل الخيار العسكري على الحل السياسي، بحيث صارت المعادلة هي: لا حل عسكرياً ولا حل سياسياً.

ومن الصعب أن تتغير طبيعة المشكلة في العراق وسوريا، ولو اختفت داعش. فالحل السياسي هو الذي يضمن نجاح الحرب على الارهاب. وهذا هو التحدي أمام النظام والمعارضين.

السابق
حفل سيرك لأبناء شهداء الجيش
التالي
فلسطينيون يحتجزون مستوطنين