جنبلاط نصب الخيم الثلاث… ولا حضور

في الأثناء يستمر شيخ المختارة في محاولات سيعود خائباً من مسعاها. لكنّها، وان كانت خيبة متوقعة من حلفاء الامس، إلا أنّها وفرت له شهادة تقدير على مسعاه، وردمت جزءاً كبيراً من هوة انعدام الثقة معهم الى حدّ كبير. في انتظار موعد جديد وامتحان لن ينتهي.

يحاول النائب وليد جنبلاط ان يملأ الفراغ بحركة اتصالات من اجل ايجاد مخرج بديل عن تشكيل حكومة لا يتمثل فيها حزب الله وحلفاؤه ولا تيار المستقبل وحلفاؤه. ويتوسم بالوزير الصاعد والمعاون وائل ابوفاعور لينقل له رسائل الوّد والنصيحة في اتجاه واحد، اي وجهة بعبدا والمصيطبة، من اجل عدم اقدام رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف على خطوة تغضب قوى 8 آذار، والى بيت الوسط ناصحا صاحبه وساكنيه بقبول المشاركة في الحكومة من دون تردّد او رفض. علّ في القبول ما يمهّد لعودة صاحبه ويخفّف من سيل الدماء على الطريق اليه.
يستعين وليد جنبلاط على قضاء حوائجه بالحركة، سواء كانت حركة امل برئيسها نبيه بري، او حركته التي تحمي ما تبقى من خصوصية سياسية كانت حصنت على الدوام الموقع الجنبلاطي من التآكل والتراجع وانحسار الفاعلية. لا طاقة لجنبلاط على الجري خارج المساحة المرسومة. فقد بدأ حركته من خط الانطلاق الذي رسمه حزب الله، على ان يعدو في اتجاه واحد من دون الالتفات الى الخلف، علّ الله يكفيه شرّ القتال الذي صار اكبر من ان تلتقط عيناه حدوده ومراميه، وعجزت انامله من كثرة ما التسعت من “نيران الآلهة” ان تطمئن لضوء الشمس المتسلل من خلف ستار.
يكمل جنبلاط جريه. والجري افضل من الجلوس والانتظار خلف الستار، او على ضفة النهر. في “الحركة بركة”، والرئيس بري لا يبخل على صديقه ببركات تعصمه من التعثر وغضب الآلهة. يعينه ويستعين به في مهنة تدوير الزوايا، لكنّه تدوير، وان بدت من بنات افكار شيخي السياسة اللبنانية اليوم، إلا أنّها تبدو اقرب الى محاولة عودة الشيخ الى صباه.
ربما افلح الشيخان، لكنّه إفلاح لايولد حكومة، فلم تظهر ملامح الحمل الذي اشتهياه بعد، وما فعله جنبلاط نصبُ الخيم الثلاث: “تلات تمانات”، لكنّ احداً لا يستظل بها. في الحد الأدنى لايبدو انّ الحلفاء السابقين لشيخ المختارة يريدون الخروج من خيمة 14 آذار، ولا حتى الانتقال بها الى مخيم الحكومة. ثمّة اصرار على عدم المشاركة، وهو يقابل اصرار حزب الله على عدم الانسحاب من سورية. وبين الاصرارين لا يبدو انّ هناك من فرصة لملء خيم “التلات تمانات”. فتيار المستقبل، الذي يعاني زعيمه من التهجير الاختياري، لا يبدو راغبا في ان يكون لاجئاً الى مخيم الحكومة. فاللجوء الى خارج لبنان يبقى الاكثر ضمانة من اللجوء الى هذا المخيم العاجز، الذي تفتقد خيمه الى قاعدة واحدة ثابتة، ولأنّه غير قابل لان يتحول الى خيمة جامعة.
تيار المستقبل وحلفاؤه يعتقدون انّ حكومة غير معنية باعلان بعبدا، والالتزام بموجباته، لا وظيفة لها غير حماية عدم الاستقرار، ووظيفة التغطية على القتال في سورية. وازاء هذا التوصيف، لا يجد تيار المستقبل فائدة له ولغيره من الحلفاء في المشاركة. فهو لن يستطيع توفير التغطية لحزب الله، ولايريد ان يتحمل، كمشارك في الحكومة، تبعات السياسة الخارجية والاستراتيجية التي يتحكم بها حزب الله. ولا يريد ان يتنازل عن حق الدولة على هذا الصعيد. بل اكثر من ذلك: سيكون هذا الفريق شاهدا على التعطيل، او ملتزما باجندة حزب الله. وفي الحالين سيكون مطالبا هذا الفريق، من جمهوره أولا، بتفسير معنى وجوده في حكومة غير قادر فيها على تثبيت معايير المؤسسات ومرجعية الدولة وسلطاتها في الامن والسياسة والعسكر.
قاعدة الالتزام باعلان بعبدا وحدها قد تحمل تيار المستقبل على المشاركة في الحكومة. وغياب هذه القاعدة يفقد المشاركة معناها الحقيقي في نظر هذا التيار. كما لا يخفي بعض قيادييه المزيد من التحسس من المشاركة في الحكومة من دون تقديم مبرر مقنع للجمهور. ويضيف هذا القيادي: “خسرنا كثيرا من جمهورنا بسبب مراهنتنا على تسويات مع حزب الله طالما اثبتت انها وفرت التغطية لتمادي حزب الله في خيارات الخروج على مبدأ الشراكة، وعلى خيمة الدولة، وقبولنا بالمشاركة من دون اعلان واضح وصريح من حزب الله بالانضواء تحت خيمة الدولة وقاعدة الشراكة الوطنية سيجعلنا نخسر ما تبقى من جمهورنا، وسيوفر ذرائع جديدة للمتطرفين كي يتقدموا في المشهد، وهذا ما يريده حزب الله، ولن نقدمه له. لأننا بذلك سنجعل من لبنان مشروعا جدّيا لحرب لسنا من هواتها ولن نكون سببا في اشتعالها”.ويضيف القيادي: “حتى حكومة 888 لن نشارك فيها لأنّنا بذلك نغطّي مشاركة حزب الله في سورية. وأيّ مشاركة بلا تسوية سياسية لا مبرّر لها وهي مكسب لحزب الله وخسارة لنا”.
في الأثناء يستمر شيخ المختارة في محاولات سيعود خائباً من مسعاها. لكنّها، وان كانت خيبة متوقعة من حلفاء الامس، إلا أنّها وفرت له شهادة تقدير على مسعاه، وردمت جزءاً كبيراً من هوة انعدام الثقة معهم الى حدّ كبير. في انتظار موعد جديد وامتحان لن ينتهي.

السابق
احمد الحريري: لا قرار بشأن الحكومة وتجارب الوزير الملك مريرة
التالي
الراي: لا آمال كبيرة حقيقية معلقة على المسعى المستجد لتشكيل حكومة