أخلوا الضاحية لننجو: التكتك بدل الرباعي الدفع؟

التكتك
التكتك اسلوب حياة الفقراء أبناء الضواحي في دول كثيرة، مثل مصر والهند، معه نعود الى حياتنا الاولى قبل تحول ضاحية بيروت الجنوبية الى قلعة مستهدفة. القاتل يستفيد من وجود سياراتنا، فلنستعمل الطرطيرة، التكتك، الترايشو، الكاري، الركشة، العربة والخيل، الحصان، الدراجة النارية، البسيكلات.. كما هو حال معظم دول العالم الفقيرة. فليعذرنا اصحاب السيارات الرباعية الدفع لأنّ الضاحية هي ارض الفقراء. فليخرج من لا يقدر على العيش هنا.

بعد كل انفجار يهبّ الناس مذعورين مرعوبين على من حولهم من اقارب واحباب واصحاب واصدقاء واهل. وتشتعل الاتصالات للاطمئنان وينهار البعض وتفرط أعصابهم. احدى السيدات كانت تلد عندما عرفت ان انتحاريا كان سيفجر نفسه على مدخل المستشفى التي ستلد داخلها. فانهارت وتعسرت ولادتها لساعات.. سيدة كانت على باب احد المحال التجارية تهمّ بالخروج لحظة انفجار الشارع العريض فاصيبت بانهيار عصبي. شاب ركن سيارته ليدخل الى مطعم الجواد ليتناول طعام الغداء لكنه في لحظة قرر الذهاب الى المنزل لتناول الغداء مع عائلته ونجا من الموت بأعجوبة. كل هذه القصص المنقولة شفهيا من شخص الى آخر ليست الا صورة من صور حياتنا التي صارت مسلسلا تركيا بعدد من الأجزاء المملة.

لكن ثمة اقتراح قدّمه الاديب سماح ادريس وهو “العودة الى استخدام العربات التي تجرها الخيول، والتنقل على ظهر الدواب”. وانا اقول الهودج ربما. لماذا؟ لاننا اصبحنا بعد حوالي ستة انفجارات منذ تموز الفائت نعيش على اعصابنا. ويلزم لكل عائلة طبيب نفسي للمعالجة من آثار الخوف والصدمة والرعب.

فاليوم لم نعد نستطع التغاضي عن صوت زمور سيارة الاسعاف ولو كان بعيدا. ولا عن صوت (خبطة قوية) او (دبّة قوية) كما كان حالنا خلال الاحتلال الاسرائيلي للجنوب حين كان الصغير والكبير، المرأة والرجل، يميزون اصوات الاسلحة من بعضها.

واليوم نعيش كابوسا يوميا – وان كنا مؤمنين ان الموت مصير كل انسان – لكن الفاجعة ان ترى الموت بكثرة امامك. وان ترى الجثث والبقايا المتناثرة والاشلاء. وان تسمع الحكايات (ما قبل، وما بعد، ويا ريت، والله بيحبني، وهلق مرقت، وكنت هونيك..) سلسلة تعابير يومية واسبوعية تغيب لتعود هي نفسها.

هذه المرحلة لا انساها ابدا بل هي تذكرني ببيروت ما قبل الاجتياح الاسرائيلي حين كانت التفجيرات تقع على ابواب المدارس والافران وداخل الاسواق الشعبية في البربير وطريق الجديدة والمزرعة.. كانت الاشلاء تُرفع بالهواء، ويحضر المسؤول ليتهم المسؤول الآخر، وكل فريق يتهم الفريق المقابل في نسخة واحدة وأبدية ومنسوخة. ولا تتوقف بيانات الاستنكار الا قبيل التفجير الجديد لتُعاد الاسطوانة. ورغم ان الاعلام لم يكن قد حصد بعد مجده الحالي، كان الاعلام يزف الينا – نحن المتمترسين امام الشاشة الصغيرة – بيانات الاستنكار. حتى أن المجرم نفسه كان يُصدر بيانه الاستنكاري تماشيا مع الموضة.

مجزرة صبرا وشاتيلا: من ينساها؟ اليوم اشعر ان الاشهر التي مرت هي صبرا وشاتيلا لكن بأقسام كثيرة. لذا، لنكن على قدر المسؤولية ولنعد الى الماضي البعيد، لنمش على ارجلنا، لنخفف من سياراتنا التي تقتلنا بالتفجيرات والحوادث، لنعتمد داخل الضاحية على الاقل على النقل العام ولنترك سياراتنا في مواقف عامة (الملاعب مثلا) على مداخل الضاحية. لنستعمل النقل العام والفانات كما هو حالنا حين نقصد شارع الحمرا مثلا، او الدكوانة، او وسط البلد، او السفارة الكويتية.

القاتل يستفيد من وجود سياراتنا، فلنستعمل (الطرطيرة، التكتك، الترايشو، الكاري، الركشة، العربة والخيل، الحصان، الدراجة النارية، البسيكلات، الباصات، الفانات..) كما هو حال معظم دول العالم الفقيرة. فليعذرنا اصحاب السيارات الرباعية الدفع لأنّ الضاحية هي ارض الفقراء. فليخرج من لا يقدر على العيش هنا.

لن نعجز في الدفاع عن حياتنا لأنّ القاتل والارهابي لن تخيفه اصوات النحيب، بل سيزداد جبروتا. ولسنا من ابناء العالم الاول حيث توصلنا سياراتنا الى مداخل منازلنا. فجميعنا من ابناء القرى والريف حيث المشي سيرتنا وهوانا وعادتنا. ومن يقول ان الحياة سريعة ولا تنتظر البطء اقول ان النقل العام المقترح يناسب الجميع.

فلنسر بحملة “أخلوا الشارع من السيارات”، حفاظا على حياتنا، إذ أنّ حياتنا تُحفظ من خلال عجز الارهابيين عن قتلنا ومن خلال تجديد البيئة ونقاوة الجو، وسيادة المساحات الواسعة امام بيوتنا التي باتت كالصناديق، وتوفير اموال البنزين والمازوت.

السابق
هكذا قاتلت في الجيش الحرّ بعيدا عن معارضي الفنادق
التالي
الحاجة لتحديد الفترات الرئاسية