مشوار علي خضرا الأخير أبعد من الصيدلية، قرب الله

الشهيد علي حسين خضرا
كبسة زرّ جعلت مشوار علي الأخير الى الصيدلية لمعالجة "القشب" في يديه مشوارا أطول إلى جنان الخلد، حيث الروح الصافية مع الشهداء. خرج من منزله إلى "التفجير"، المراهق الذي يحبّ كرة القدم، الذي أضاعته عائلته قبل أن تعثر على جثّته في مستشفى الرسول الأعظم. هنا حديث مع ابنة خاله التي كانت تحبّه كثيرا.

رحل علي تاركاً خلفه عشرات الاصدقاء المفجوعين، الذين حضروا الى مكان الانفجار بالورود الملونة، تأكيداً منهم على الاستمرار في الحياة، مهما امتدت يد الارهاب عليهم، ومهما حصدت من شبان في ربيع أعمارهم لا ذنب لهم في اللعبة التكفيرية المتبادلة الدائرة في المنطقة.

وكانت قد انقطعت الاتصالات بالشاب بعد حدوث التفجير، وبدأ اهله بالبحث عنه في المستشفيات، من ثم تم العثور  على دراجته النارية وهاتفه الخليوي على ارض التفجير، وتم تعميم صورته على وسائل الاعلام لمن يراه أو يمتلك اي معلومة عنه.

لم يكن يدرك ابن الـ 17 عاماً انه سيمر بالقرب من إنسان انتزعت منه كل معالم الانسانية ومشاعر البشر، فالانتحاري الشجاع لم يوقف جرمه مرور  باص للمدرسة خلفه، فكيف بشاب على دراجته بالقرب منه؟ والتي لم يبق منها سوى الهيكل والورود التي نثرها رفاقه واساتذته في المدرسة عليها.

لا يتذكر الأقارب سوى هدوء علي ورصانته وتعقله وخجله. تقول ابنة خاله منال في حديث لـ”جنوبية”: إنّه “رحل وكل ذنبه انه اراد ان يحضر دواء من الصيدلية لأنّ يديه مأشّبين”. وتبين فيما بعد، من خلال هاتف أحد اصدقائه، أنّه كان ينوي الذهاب الى النادي لممارسة هوايته الرياضية: كرة القدم.

أضافت منال في حديث خاصّ مع “جنوبية”: كان الجميع ينتظر نجاحه هذه السنة، فهو في الصفّ الثالث ثانوي، مجتهد يدرس لدخول الجامعة والتخصص في الهندسة”. وأشارت الى ان عائلته “متعلقة جدا به فهو أصغر اولادها، وحنّيته تجعله قريبا من الجميع، لا سيما جدته المريضة بالروماتيزم، والتي لم تتقبل الفكرة وهي في صدمة حالياً”.

تقول منال أنّ والده “قد يظهر على الشاشات على أنّه قوي لأنّ الله يصبَره، لكنّه يبكي دون صراخ، والانين لا يفارق قلبه”، أما امه المصدومة والتي لم تستوعب ما حصل “فيعتصر قلبها حرقة على فراق ولدها دون ذنب”.

يذكر ان الحاج حسين خضرا، والد الشهيد، عاد بعد سنوات طويلة من الغربة في الخليج العربي، وهو يعمل في تجهيز ملاعب كرة القدم في الضاحية. عاد وفي قلبه أمل بأن يحيا ابنه الصغير، “آخر العنقود”، مع أخوته الثلاثة بين عائلتهم، ويستكملوا تعليمهم في بلدهم.

ثوان فقط كفيلة ليصبح الحديث عن أشخاص بصيغة الماضي. فكل المسألة لا تكلف أكثر من كبسة زر أو ربما أقل، في لبنان الذي يفقد شبابه بأرخص الاثمان.

السابق
ملاك زهوي ومحمد الشعّار: الحزن المشترك
التالي
مسرح جريمة حارة حريك: تحقيقات وعيون يقظة