الهبة السعودية أحد عناوين تسوية آتية

سيقال الكثير سلباً وإيجاباً عن الهبة العسكرية السعودية الضخمة للجيش اللبناني من الآن وحتى البدء بتسييلها سلاحاً فرنسياً متطوراً في مختلف المجالات الدفاعية والهجومية، لكن ستبقى هناك حقيقة ساطعة، وهي أن أي فريق لا يمكنه رفضها أو الإعتراض عليها، لأن أي عاقل لا يمكنه رفض تسليح المؤسسة العسكرية اللبنانية، أو التشكيك بدورها كضامن للسلم الأهلي.
طرحت الهبة السعودية البالغة ثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، كثيراً من التساؤلات حول أبعادها وخلفياتها وتوقيتها، وحول ما اذا كانت تتصل بمستقبل الوضع في المنطقة عموماً، وفي لبنان وسوريا خصوصاً.

فهذه الهبة جاءت في ظل الحديث عن تأليف حكومة “أمر واقع”، وبعد اعتقال زعيم كتائب عبدالله عزام التابعة لتنظيم “القاعدة” ماجد الماجد، إذ تشير معلومات الى أن الماجد اعتقل قبل نحو عشرة أيام ولم يعلن عنه إلّا يوم عيد رأس السنة، كذلك جاءت هذه الهبة في ظل تصاعد المواجهات العسكرية بين النظام السوري والمعارضة، وانفجار الوضع بين الجيش العراقي وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في محافظة الأنبار إثر حملة هذه الجيش ضد خلايا “داعش” و “القاعدة” في المنطقة الحدودية السورية ـ العراقية، وقبل كل ذلك جاءت هذه الهبة في ظل استمرار التحضير لمؤتمر جنيف ـ 2 في الأروقة الإقليمية والدولية والذي قد يشكل انعقاده منطلقاً لحل كل الأزمات الإقليمية وليس للأزمة السورية فقط.

واذ يسأل بعض المراقبين هل إن هذه الهبة السعودية هي مقدمة لتسوية شاملة في المنطقة سيكون لبنان ضمنها؟ أم أنها محاولة لـ”القبض” على السياسة اللبنانية، حسب الذين يسيؤون الظن بها؟ فإن المعطيات تشير الى أنّ هذه الهبة السعودية هي عنوان من عناوين تسوية آتية للأزمة اللبنانية خصوصاً ولأزمات المنطقة عموماً لأن تسليح الجيش اللبناني بموجب هذا المبلغ الضخم يفرض حمايته وتحصينه بوفاق سياسي داخلي يعزز دور المؤسسة العسكرية في حماية الأمن والإستقرار، وقبل كل ذلك حماية الوفاق الوطني الآتي من رحم التسوية الآتية.

كذلك فإن هذه الهبة السعودية، وبغض النظر عن تشكيك البعض أو تخوفهم منها، ليست معزولة عن التوافق الأميركي ـ الروسي على تسوية الأزمات الإقليمية ولا سيما منها الأزمة السورية وما تتركه من انعكاسات وتداعيات على دول الجوار السوري، وفي مقدمها لبنان.

ويقول هؤلاء المراقبون إنه بغضّ النظر عن إساءة البعض الظنّ بالهبة السعودية، فإنه لا يمكن لأيّ عاقل أن يرفض هذه الهبة لأن الجيش اللبناني هو عماد الدولة وأن تسليحه عدة وعتاداً ينبغي ان يكون دائماً على رأس الأولويات لدى الجميع، وان هذا الدعم السعودي ينبغي ان يشكل باباً لدعم آخر للجيش من دول عربية واقليمية وغربية، بل ينبغي ان يكون فاتحة لقبول أي دعم من أي دولة كانت، خصوصاً اذا كان الهدف تحصين لبنان دفاعياً لمواجهة الإعتداءات والمطامع الإسرائيلية، ولا سيما في مجالي الطيران والمدرعات، وذلك بعد ضياع، أو تضييع، فرص كثيرة لتسليح الجيش توافرت في خلال سنوات خلت، والجميع يذكر المساعدة الروسية وكذلك الإماراتية التي لم تقتنص لأسباب معلومة ومجهولة كثيرة، فضلاً عن العروض الإيرانية وغيرها، علماً ان الجيش كان تلقّى دعماً سورياً في حقبات سابقة.

ولذلك يرى المراقبون ان على الجميع التعامل بحسن نية مع الهبة السعودية التي هي أولاً وأخيراً دعم للدولة ممثلة بالمؤسسة العسكرية التي تشكل عماداً اساسياً لها، كذلك ينبغي انتهاز هذه الهبة لتمكين لبنان من الإنفتاح على كل مَن يدعمه.

ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون هو: هل ان اسرائيل التي عطلت سابقاً صفقات أسلحة كثيرة أريد منها تسليح الجيش، خصوصاً بالأسلحة المضادة للطائرات، ستسمح لفرنسا تزويد لبنان من خلال الهبة السعودية، بأسلحة من هذا النوع وغيرها؟

المراقبون انفسهم يقولون ان هذه الهبة السعودية تفرض وجود حكومة دستورية لقبولها، وان المعنيين يدركون هذا الأمر، ولذلك فإن كثيرين يتوسمون من هذه الهبة أن تشكل، في مكان ما، حافزاً للأفرقاء السياسيين للإتفاق على الحكومة الجديدة التي طال انتظارها، وفي هذه الحال تكون الهبة السعودية جزءاً من حل للأزمة اللبنانية لا تعقيداً أو تصعيداً لها في نظر الذين ارتابوا منها أو وضعوها في خانة استهداف هذا الفريق أو ذاك مستقبلاً.

السابق
هل ما زال ثمّة من يجرؤ على طرح حكومة الأمر الواقع
التالي
بن بيرنانكي.. مدير الأزمات