مخيم الأرامل: الماء والبنون زينة الحياة

كأنها ساحة قرية، تلك الأمتار القليلة التي تشكل قُطر دائرة صغيرة حول خزان مياه هو أول ما يسترعي الانتباه في مخيم “أبناء الشهداء” للنازحين السوريين في عرسال – البقاع. “أبناء الشهداء” هو الاسم الرسمي، إلا أن المتداول هو “مخيم الأرامل”، هكذا تسمّيه الغالبية من قاطناته، بشيء من الواقعية وكثير من الفَقْد.

مجتمع نسائي بالكامل، مع أطفال، وأحياناً أقارب شيوخ ليس من يُعنى بهم سوى ابنة أو كنّة أو أي قريبة اعتُبرت محظوظة لأنها نزحت إلى مأوى لا تطيّر الريح “بلوكاته”، وقد رُفع قليلاً عن الأرض فاستعصى على غزو المطر والوحل… الوحل الذي غرقت فيه ممرات لم تُعبّد يوماً، وعلق بأطراف العباءات الطويلة، وفيه تنغمس أحذية الصغار.

لا خيم هنا، بل غرف أسمنتية صغيرة لا تزيد مساحة الواحدة منها على 10 أمتار مربعة قد تضم أربعة إلى ستة أشخاص. بين جدران يعوزها الطلاء، وتحت سقف بات يدلف ماء الشتاء، ينامون ويأكلون ويستحمون ويطهون ويقضون بعض حوائجهم في خصوصية لا تؤمنها الحمّامات المشتركة. وتنشط الحركة حول ذلك الخزان القابع عند مدخل مخيم، والذي يبدو إشارة الانطلاق لامتداد عشرات الغرف في صفّين متقابلين. حركة أولاد، لكنهم لا يلعبون، وإن خالط عملهم لَهو الطفولة. بنات وصبيان يقومون بمهام الرجال، إذ ليس للأمهات من يعينهنّ غيرهم. والمهمة اليومية الحيوية ههنا هي ملء الماء في أوعية مختلفة الأحجام والأشكال، لخدمة “البيوت”. هذا ولد يدفع آخر ممازحاً. وذاك يزاحم بنتاً على الشرب من الحنفية، قبل ملء دلو يكاد يوازيه حجماً… من أين يأتي بالقوة لنقله إلى غرفة أمه البعيدة 30 متراً على الأقل؟!

“أنا لست خدّامة”
في أرض الأرامل هذه، أبواب الغرف مفتوحة ما أتاحت حالة الطقس ذلك. تطلب “المساكن” وأهلها قسطاً من الشمس والهواء النظيف، أو تدرأ المؤاخذة في حال استقبلت إحداهن قريباً أتى ليطمئن على أحوالها أو يطمئنها على بقيةٍ للعائلة ما زالت في سوريا. في غرفة نلمح رجلاً يده مكسورة، وفي غرفة أخرى رجلان فُرشت لهما مائدة صغيرة على الأرض. “نأتي ونذهب”، يقول أحدهما ويتفادى الشرح أكثر. لكن الأبواب المفتوحة لغة أيضاً لأريحية النساء في ما بينهن، وغالبيتهن من قرية واحدة أو قرى متجاورة، من القصير وريف حمص. منذ آب/أغسطس الماضي، بعد استعادة قوات النظام السوري السيطرة على قراهن، انتقلن، أراملَ بأيتامٍ كثر، إلى الغرف التي تكفّل ببنائها مانحون ومتبرعون، لبنانيون وعرب، فوق الأرض التابعة لدائرة الأوقاف. هنّ عملياً عائلة كبيرة. يدخلن ويخرجن عند بعضهن البعض، كأنهن يتنقلن بين غرف البيت الواحد. ولا يسع الزائر سوى التفكير في تأقلم مختلف للنساء، مع ظروف اللجوء، عن الرجال، أو عن العائلة التي لم تخسر رأسها. تأقلُم أهدأ، وربما أكثر عملانية. يُدِرن عائلاتهن كما فعلن دوماً، لكن القرارات تكوّمت أيضاً في أيديهن: المدارس، النفقات، تنظيم استهلاك المساعدات، وأحياناً تنظيم حيوات رجالٍ خارج مخيمهن ما عادوا معيلي أُسرِهم.

هذه مريم الزين (33 سنة). أم لأربعة صبيان وبنت هي الكبرى وعمرها 15 سنة. زوج مريم توفي تحت التعذيب. لا نلحق أن نعرف منها أكثر. هي حذرة، تخاف الكلام. والنساء المتجمهرات حولنا يقاطعن كلامها. بعضهن يتبرع بالحكي عن أمور لم نسأل عنها مباشرة. رجاء عمار تصرّ على الكلام عن أختها الصغرى: “عمرها 14 سنة.. قال لي أحدهم، ليش أختك ما بتعطينا وجه؟ بدنا نحكي معها.. قلت له: نحنا ما عنا هيك حركات، فنظر إليّ من تحت إلى فوق، ولم يعجبه كلامي”. رجاء تنبض بالطاقة، تشكو وتضحك وتضخّ كبرياءها في عبارات موصولة الأنفاس: “نقل المياه كسر ظهورنا. ولا كهرباء. ندفع ثمن الشمع بقدر الطعام كل شهر. أختي الكبرى تعمل محاسبة في محل سمانة، من الثامنة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً. في البداية كنا في بيت، لكن صاحبته أرادتني عندها خدّامة في مقابل الإيجار. أنا لست خدامة!”.

على بعد خطوات، تنشر وردة جابر، الغسيل، على حبل بالكاد يرتفع فوق وحل العاصفة الأخيرة، فهذا هو العلو الذي تقدر عليه ذراعها الكهلة. تعيش في الغرفة مع ابنتها المراهقة وابنها الأصغر، ولها ولدان شابان يقطنان بيتاً واحداً مع زوجتيهما، خارج المخيم. قُتل زوجها في سوريا، وماتت ابنتها الحامل تحت القصف. عند ذِكر ابنتها يضعف صوتها، كأنه ينكسر. كيف تتذكرها ومتى؟ “في الليل، أبكي لوحدي في الليل، لكن في النهار لا وقت للحزن”. هي أرملة كالبقية. لكن نكبتها أكبر كونها.. أمّاً لشابين عاطلين عن العمل. تقسم ما تحصل عليه من مساعدات وتبرعات، بين احتياجات غرفتها حيث ولديها الصغيرين، وبين ولديها الرجلَين، فتشحّ حياة الجميع. إيجار البيت الذي يؤوي الولدين الأكبر، 350 ألف ليرة في الشهر، “وكلما أتت تبرعات، يقولون لي ما بيطلعلك، عندك شباب.. طيب ماذا أفعل؟ أتخلّى عنهما؟ عندي شابان لكنهما عاطلان عن العمل، طلعت عيونهم في البحث، لاقوا لهم شغل وسأقفل فمي للأبد”.

ضيوف متعبون كما المُضيفين
طبعاً، لا فرص عمل كثيرة في عرسال أصلاً، حتى للعراسلة الذين يربو عددهم كمقيمين دائمين على 35 ألف نسمة تستضيف ما يربو على 75 ألف لاجئ. والتنقل إلى المدن القريبة، مثل زحلة، شبه مستحيل بالنسبة إلى الرجال السوريين، لأنهم إما بلا أوراق ثبوتية أو دخلوا الأراضي اللبنانية بشكل غير شرعي، ويتهيبون المرور على حواجز الجيش. وإذا كانت النساء غالباً لا تُسأل على الحواجز، فإنهن، إن قررن العمل، لا يقوين على كلفة المواصلات.

في عرسال حوالى سبعة آلاف عائلة مسجلة في لوائح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يحصلون على قسائم غذائية يومية بقيمة 27 دولاراً للشخص، مع طبابة ومازوت وأغطية وخدمات أخرى بقيمة مئة دولار شهرياً، تقدمها المفوضية والجمعيات الأهلية والخيرية الإسلامية أو الخليجية أو المحلية، بحسب نائب رئيس بلدية عرسال، أحمد الفليطي الذي يضيف: “قبل أسابيع، وخلال فترة قياسية لا تتعدى الـ72 ساعة (بين 14 و16 تشرين الثاني الماضي)، دخلت 4500 عائلة من بلدات قارة والقصير وحمص وريفها، ولم يتم تسجيلهم حتى الآن. يضطلع بالمهمة المجلس الدنماركي للاجئين الذي يتولى تسجيلهم في لوائحه قبل رفع نسخة إلى مفوضية اللاجئين، وتتم الاستعانة بتقارير لمؤسسات أخرى مثل المجلس النروجي، و”المبادرة ضد الجوع” (ACF) وغيرهما من المنظمات… إضافة إلى نحو 500 عائلة لبنانية كانت مقيمة في سوريا ونزحت، وهؤلاء لا تسجلهم المفوضية كلاجئين”. التسجيل له مصاعبه البيروقراطية التي تستغرق وقتاً، إضافة إلى أن كثيرين يتوجسون منه، وفق الفليطي، لأسباب أمنية كمُطاردين من أجهزة النظام السوري، في حين أن البعض الآخر يشعر بلا جدوى الخطوة انطلاقاً من اليأس في الحصول على خدمة ومساعدات أفضل نوعياً مما يحصلون عليه بلا تسجيل.

“عرسال ممرّ ومقرّ”، يقول الفليطي. هي طريق النزوح الشرعية الوحيدة المفتوحة، وتحتضن حالياً قرابة 14 ألف عائلة، كانوا 9,370 عائلة قبل النزوح الأخير من القلمون وقارة، فيما أتى 90 في المئة من النازحين الأقدَم من حمص وريفها الجنوبي (بابا عمرو، الخالدية، القصير، جوسي وغيرها). “ثمة قرى كاملة نزح أهلها إلى عرسال”، يشرح الفليطي، “والحاجة الرئيسية القصوى الآن هي توسيع المخيمات، والتفاصيل المهمة هي الخيم، الفَرشات، وصوبيات التدفئة.. نحتاج مخيمات على النمط الأردني والتركي”، ولا ينسى أن يضيف: “وطبعاً نحتاج غطاء سياسياً وأمنياً”. أمّنت المفوضية 70 خيمة جديدة، تركيبها بحاجة إلى قرار من الحكومة اللبنانية، “وحتى الآن لا قرار واضحاً وصريحاً، لكن المسؤولين يغضون النظر عن مخيمات الأمر الواقع على عقارات خاصة… طالبنا بمخيمات في ضواحي عرسال، فلم تقبل الدولة اللبنانية التي تصرّ على حصر المخيمات كافة ضمن حدود حواجز الجيش اللبناني (حوالى تسعة حواجز) والتي تصلها تعليمات بأن تتصرف كنقاط حدودية. طلبنا دفع الحواجز مسافة كيلومترين في اتجاه الحدود، لنتمكن من وضع مخيمات إضافية، لكنهم حتى الآن لم يقبلوا”.

والحال إن ثمة من يتبرع بالأرض، أو يؤجرها، أو يشيد – على عجل – غرفتين يؤجرهما بأسعار مدهشة (نسبة إلى الأسعار المعتادة ونوعية البناء). غرف “على العظم”، وبلا شبكة مدروسة للصرف الصحي أو مواصفات معروفة للبناء.

اللاجئون إلى عرسال يشكلون ضعف عدد المقيمين فيها، ما يعني ضغطاً على شبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي، وحتى مرور السيارات وجمع النفايات. وهذا ما يحدث إرباكاً. فقد أتى النازحون من قارة، في سياراتهم، بسبب موجة السرقة خلال المعارك في منطقتهم، وتساهل معهم الجيش اللبناني في إدخالها، وبعضهم كان ينام في السيارات في الفترة الأولى. “لكننا نعاني من ازدحام في السير، ما يسبب توتراً”، يقول الفليطي، “وثلاثة عناصر كشرطة البلدية مع أربعة حراس لحركة السير لا يستطيعون حظر تجول السيارات السورية.. فكرنا بالتعاقد مع شباب من عرسال لتنظيم المرور، وطلبنا من الدرك زيادة عديد العناصر في المخفر الذي لا يضم سوى أربعة أو خمسة عناصر، لحلّ الضغط الأمني والمعيشي.. في حين أن الدولة غائبة غياباً غير بريء.. موازنة بلدية عرسال في السنة، مليون دولار، نجدنا مجبرين على إنفاق خُمسِها على موضوع التعاقد لتنظيم السير، لكننا في المقابل لا نتمكن من الجباية في الوقت الراهن، لذلك وزعنا بياناً تمنّينا فيه على الأخوة السوريين عدم التحرك بسياراتهم في أوقات الذروة، أي في الصباح الباكر موعد الأعمال والمدارس، وعصراً موعد العودة، لكننا لا نستطيع فرض ذلك، والاستجابة غالباً ما تنحصر في الأيام القليلة الأولى”.

تجارة المساعدات
كلام كثير يُتداول عن مُتاجرين بالمساعدات الغذائية وقسائم المازوت، سوريين وعراسلة. وثمة بين النازحين من يقسم بأنه اشترى كيس أرزّ، من الأكياس المخصصة للمساعدات، من أحد دكاكين البلدة.

من جهة ثانية، تروي نوال مدللي، رئيسة جمعية “سوا للتنمية” والتي تعني بقطاعات عدة مثل تمكين النساء والأطفال النازحين (خلال حرب تموز 2006 والآن مع السوريين) قصة ذات دلالة. تقول إن أعضاء الجمعية جمعوا مؤخراً مساعدات عينية، من دفّايات وأغطية وملابس، وقصدوا مخيم بر الياس في البقاع لتوزيعها، فظهر شبان من إحدى الجمعيات الأهلية التي يرأسها سوري، “ساعدونا في فرز المساعدات في مقر البلدية ثم في التوزيع، لنفاجأ مساء بأنهم كانوا يلتقطون صوراً مع الأولاد وهم يتسلمون المساعدات وقد حمّلوهم كرتونة كُتب فيها اسم الجمعية السورية، ونشروا الصور في صفحتهم في فايسبوك”. وتضيف نوال: “لمّا تواصلتُ معهم لأسألهم لماذا فعلوا ذلك، ولأقول بأني سأفضحهم، رجوني ألا أفعل، ومحوا الصور فوراً، لكني أعلم بأنهم سيستخدمون مثل هذه الصور، وغيرها من الألاعيب، للحصول على تمويلات لمشاريع، الأرجح أنهم يسرقون فيها عمل غيرهم كما فعلوا معنا… لا يهمني ذلك، المهم أن تصل المساعدات لمحتاجيها، لكني أقلق لأن مثل هذا السلوك قد ينال من مصداقية العمل الأهلي مع النازحين، وربما يحرم الجمعيات الفاعلة والنزيهة من فرص التمويل”.

لا مدارس.. واللعب اختراع
بعد أكثر من ساعة على تجوالنا في “مخيم الأرامل”، نلاحظ أننا اكتسبنا “ظلالاً” فضولية لطيفة. فتيات ثلاث، يمشين متأبطات الأذرع، والوسطى تحمل كيس بطاطا تنغمس فيه أيدٍ ثلاثة. هنّ شريفة وبيان وفريال، أكبرهن ابنة 12 سنة وأصغرهن بالكاد عمرها 10 عشر سنوات. هكذا يقضين أوقات الفراغ الطويلة، يتمشين في الطريق الموحل، ويتحادثن، لكن بعد الانتهاء من مهمات نقل المياه من الخزان وسكبها بالتقسيط على أكفّ أمهات يطبخن أو يغسلن الصحون. “وبعد الظهر، إذا لم نخرج لنتمشى، نصلّي”، تقول شريفة، “أحلى شي الصلاة، بيمرق الوقت ومنرتاح”. واليوم تبدأ حلقات تحفيظ القرآن في المبنى الصغير القريب الذي جُعل مدرسة أقفلت مؤقتاً لتستخدمها إحدى المنظمات خلال عطلة الأعياد. لا شيء أفضل من القرآن لملء بعض وقت الصغار، أو هذا أقصى ما فكّرت فيه الأمهات واستطعن تنفيذه. لا تلفزيون هنا ولا راديو وطبعاً لا ألعاب ولا كتب ولا دفاتر. وبقية الوقت؟ “منتمشى مع بعض رايح جاي”، تقول بيان بنبرة “صبية” كبرت على لعب الصغار. لعب قد يرقى هنا إلى مرتبة الاختراع. إذ نرى أطفالاً يتسلقون تلة بحص عند طرف المخيم، لينزلقوا من أعلاها الواحد تلو الآخر، بثيابهم، أو ممتطين غطاء بلاستيكياً كبيراً لسلة نفايات، وأحدهم يصرخ غاضباً بلا سبب مفهوم. فيما تؤثر طفلة لم تتجاوز الخامسة من العمر أن تلعب وحدها، وجلّ اللعبة أن تركض إلى مستنقع موحل، تغطس قدميها فيه وتعود لترينا قدميها الموحلتين وتضحك… ثم تقترب فتاة أخرى. هذه رحاب رائد حسان (10 سنوات): “خالتو انت بتسجليني بالمدرسة؟ رحت على أكثر من مدرسة، وحتى اللي هون جنبنا، قالوا لي ما بقى تجي، ما في محل، حابة إرجع ع المدرسة”.

بين نازحي عرسال نحو 12 ألف صبي وفتاة في سن المدرسة (من 6 سنوات إلى 18 سنة)، لكن أقل من ألفين منهم تم استيعابه في المدارس الرسمية بدوامين، قبل الظهر وبعده، ما يعني أن نحو 10 آلاف تلميذ وتلميذة بلا مدرسة.

سمر اسماعيل (32 سنة)، أرملة منقّبة، أمّ لولدين، وخريجة “أهلية تعليم ابتدائي”. تدرّس في “المدرسة” القريبة، وتحكي عن مشاكل كثيرة: “تختلط الأعمار في الصفوف، الأكبر سناً أشطر لأنهم يتعلمون مواد يعرفونها في الغالب، وبالتالي لا يستفيدون، كما التلامذة الموائم عمرهم لصفهم لأن الكتب قليلة ونضطر الى كتابة كل شيء على اللوح، والطفل، كي يستوعب، يحتاج إلى صور ومادة يأخذها معه إلى البيت”. وتضيف سمر أن “الائتلاف” وعد بالمساعدة بطابعة كبيرة، “سنحاول تصوير الكتب القليلة التي بحوزتنا لتوزيعها على الأولاد”.

كانت سمر من أوائل من فكّرن بجلسات تحفيظ القرآن للصغار بعد الظهر. زوجها (44 عاماً) كان أيضاً أستاذ مدرسة. قُتل، وجاره، أمام منزليهما، في إعدام ميداني. أُعدِم الجار بحجة أن جندياً في الجيش النظامي أصيب أمام بيته. أما زوجها فقُتل بعدما اتُّهم بتقديم المساعدة لعناصر في الجيش الحر: “قالوا إننا نطعمهم ونطبّبهم ولذلك ترمّلت على ولدين.. لا أفكر بالزواج مجدداً.. كانت سعادتنا فوق الوصف، مستحيل أن أتزوج”.

زوج أخت سمر (30 سنة) وابن أخته (19 سنة) فُقدا على أحد الحواجز. زوج أختها اختصاصي اتصالات وكان يعمل في مكتب البريد. كانت الرواتب قد قطعت عن الموظفين منذ شهور طويلة، “ثم أرسلوا لهم خبراً ليحضروا إلى مقرات عملهم، فيسوّوا أوضاعهم ويتقاضوا رواتبهم، أخذوه على الحاجز ولا نعرف أين هو. كان فخاً.. نصبوا فخاً للشباب”.

حلول موضعية
إلى جانب “مخيم الأرامل”، ينشأ مخيم صغير جديد، بالتعاون بين المجلس النروجي للاجئين (NRC) والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR). المهندس الآتي من صور للإشراف على التركيب، يشير إلى أن الخيم الـ55 الجديدة، أقوى، دعائمها معدنية وقماشها أقوى وهي أكبر قليلاً. يسهل تركيبها وفكها بهدف استخدامها في أمكنة أخرى. تتسع الخيمة الواحدة لسبعة أشخاص، فيما الحمّامات خارجية مشتركة. لكن مثل هذه الحلول الناشئة تبقى موضعية بل وتجريبية.

هنادي موسى حمود (27 سنة)، تنقل أغراضها القليلة عبر “نافذة” مفتوحة في مؤخرة خيمة القماش المقوّى الجديدة. عندها أربعة أولاد، اثنان منهم صبيان (7 سنوات و6 سنوات) يحملان الكراتين والأكياس. ولولا قصر قامتيهما لظننتهما رجلَين من الأشداء. يتعاونان على الثقيل من الحمولة والتي يكاد حجمها يوازي حجميهما. قبل ستة أشهر نزحت هنادي من القصير إلى قارة، ثم إلى لبنان منذ شهرين. هي التي تقترب، تبادر إلى سؤالنا عن كيفية تسجيل أولادها في المدرسة. نسألها عن زوجها، فتتردد: “لا نعرف عنه شيئاً”، وتعود إلى موضوع المدرسة، قاطعة الطريق على أسئلة عن كيف ومتى، مكتفية بـ”فقدنا الاتصال به”. لا تبدو مهتمة بظروف عيشها، ولا حتى بالزوج، بقدر اهتمامها بالمدرسة وبألا يخسر أولادها السنة. هذه أمّ تشعر بأنه لا أمل لديها سوى في تعليم أولادها، الأمل الوحيد للغد.

السابق
الهند: مراسم لنثر رماد الفتاة المغتصبة في ظل غضب عارم
التالي
رسائل تهديد آخرها للنائب خالد الضاهر