السعودية: استنهاض الدولة اللبنانية ومحاربة الإرهاب

لم تكن الرسالة التي كتبها الشهيد محمد شطح تمهيدا لتوجهها «14 آذار» إلى الرئيس حسن روحاني، لتغير شيئا في سياسة إيران، لا في سوريا حيث تدعم طهران وأجنحتها اللبنانية والعراقية النظام وهو ما يفاقم الأزمة الكارثة، ولا في لبنان حيث يقوم حزب الله بتعطيل مسيرة الدولة وتعريض البلد إلى الأخطار عبر تورطه المتزايد في الأزمة السورية، وهو ما يسرع نقل النيران السورية إلى الأراضي اللبنانية.

رغم هذا، فإنه كان من المثير للازدراء أن يجري استحضار «مدرسة أبو عدس» وشريطه المفبرك بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد بدا هذا واضحا قبل يومين، عندما نشر ذلك التقرير الرخيص، الذي أشار إلى إمكان إدراج جريمة الاغتيال في سياق صراع الأجنحة داخل الإدارة الأميركية حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية!

تمثل جريمة اغتيال محمد شطح، رجل الحوار والدماثة الدبلوماسية، تدميرا لعمود جديد من أعمدة «14 آذار» التي تقاتل وتقتل من أجل مشروع الدولة اللبنانية، الذي يشكل بالتالي ملاذا وخلاصا لكل اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين ينخرطون في تدمير الدولة. وطبعا لا تستحق «إشاعة أبو عدس» الجديدة الرد لا من اللبنانيين ولا من أي طرف، مثل السعودية، همه دائما دعم الدولة اللبنانية ومؤازرة التفاهم والحوار بين الأفرقاء في لبنان قبل اتفاق الطائف وبعده!

عندما يقف فرنسوا هولاند في الرياض ليقول: نحن نعرف ما قامت به السعودية في محاربة المتطرفين وفي مواجهة الإرهابيين واجتثاثهم، فإنه لا يضيف الكثير إلى تصريحات باراك أوباما ومن قبله جورج بوش، بأن السعودية نجحت أكثر من أي دولة في العالم في محاربة الإرهاب والتطرف، وأنها كانت قد تعرضت لعدد من الجرائم الإرهابية أبرزها في الخبر. ولهذا يمكن القول إن بيان «مدرسة أبو عدس» بعد جريمة اغتيال محمد شطح جاء على طريقة «يكاد المريب يقول خذوني».

أما عندما يقف الرئيس ميشال سليمان ويعلن أن خادم الحرمين الشريفين قرر دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية بمبلغ ثلاثة مليارات دولار، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ المساعي التي بذلت في هذا المجال، فإن ذلك يؤكد عمليا أن المبادرة السخية ليست مجرد مكرمة لدعم قوى الشرعية في لبنان، بل هي مبادرة قوية لدعم الشرعية الوطنية ومد يد العون إلى مشروع الدولة اللبنانية، الذي يتعرض، على ما هو واضح ومعروف، إلى الاستهداف، وهو ما عرفناه في أيام الاحتلال السوري للبلد واستمر مع محاولات هيمنة قوى السلاح والأمر الواقع على الدولة ومقدراتها.

طبعا ليس خافيا على أحد أن الإرهابيين والتكفيريين خرجوا من سجون النظام السوري، الذي سبق أن استعملهم في العراق ضد الأميركيين كما سبق أن اعترف المالكي نفسه، واستعملهم في لبنان وفي نهر البارد وغيره، ومع بطشه الدموي بالسوريين إلى حد استعماله الأسلحة الكيماوية، تسللت عناصر من الإرهابيين والتكفيريين إلى الساحة السورية، التي باتت تشكل بالنسبة إلى الروس والأميركيين مصيدة هدفها حصر هؤلاء والقضاء عليهم داخل المسلخ السوري.

ولكن على هامش كل هذا، تمادى النظام السوري ومؤيدوه من إيران إلى لبنان في تسويق المزاعم التي حاولت منذ البداية تصوير المعارضة السورية كأنها مجموعات من الإرهابيين، ثم، وفي إطار التوظيف السياسي الرخيص، حاولوا الإيحاء بأن كل من يدعم المعارضة إنما هو داعم للإرهابيين والتكفيريين، وقد كانت للمملكة حصة من هذه الافتراءات والمزاعم الرخيصة، وذلك ردا على الموقف السعودي الصلب في دعم الشعب السوري الذي يتعرض للمذابح منذ اليوم الأول وقد كان هدفا للرصاص والقذائف حتى عندما تظاهر صارخا «سلمية سلمية».

وعندما يأتي الدعم السعودي السخي للجيش اللبناني؛ أي للدولة اللبنانية، فإنه يؤكد مرة جديدة أن الرياض تعمل بهدي كلمة خادم الحرمين الشريفين الذي سبق أن قال إن «لبنان مثل مقلة العين».

وليس خافيا أن هذا الدعم للدولة اللبنانية، سيساعدها في كشف الإرهاب وضبطه واقتلاعه وفي تنفيذ مندرجات القرار «1701» لجهة وحدانية سلطة الدولة، ووقف عملية تفتيتها بعدما وصل الأمر إلى حد نهش هيبتها وتعطيل مؤسساتها.. والوفاء يقتضي ما هو أكثر من قول سليمان: «عاشت المملكة العربية السعودية».

السابق
دول الساحة الواحدة
التالي
الانقسام المتزايد وسط الجمهوريين