لعبة خطيرة

تدور لعبة خطيرة قد تقضي على النظام السياسي في لبنان إذا تمّ التعامل معها بخفة أو عدم اكتراث، وتتلخص بتعطيل استحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية وحصره بين خيارين سيّئين، هما: الفراغ أو التمديد.

ثلاث قوى معنية على الصعيد المحلي تتعامل مع الإستحقاق الرئاسي من ثلاث زوايا مختلفة وفقاً لحساباتها ومصالحها وتطلعاتها الإستراتيجية.

– الأولى تريد إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها في 25 أيار المقبل، سواء لأنها تضم في صفوفها من هو مرشح أو إيماناً منها بتداول السلطة حفاظاً على النظام السياسي والديمقراطي وخوفاً من القفز في المجهول.

– الثانية يهمّها تعطيل الإستحقاق، وتسعى في الخفاء والعلن الى التمديد لرئيس الجمهورية بحجة أن النزاعات الإقليمية المتفجرة، والأزمات الأمنية والسياسية والقطيعة بين الفريقين الأساسيين في”8 و14 آذار” محلياً، لا تسمح بإجراء إنتخابات رئاسية في هذه المرحلة. وتروّج أن التمديد يبقى أفضل من الفراغ والفوضى.

– الثالثة يهمّها أيضاً تعطيل الإستحقاق الرئاسي من أجل خلق حال من الفراغ العام على كل المستويات في البلد، تمهيداً لإطلاق رصاصة الرحمة على النظام السياسي ككل ودفنه، وفتح الباب أمام نظام جديد أو”إتفاق طائف” جديد، مبني على موازين القوى السياسية والمذهبية الجديدة.

فإذا وقع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وامتدّ الى تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 تشرين الثاني 2014 ، حينذاك لا يستطيع المجلس أن يمدّد لنفسه مجدداً لعدم وجود رئيس جمهورية يوقّع مرسوم التمديد، فيمتدّ الفراغ الى الرئيس والحكومة ومجلس النواب، ولا يعود هناك أي سلطة شرعية في البلاد، فيسقط النظام لعجزه، ويُفتح الباب أمام تدخّل خارجي بهدف عقد مؤتمر تأسيسي بديل لإتفاق الطائف، بحثاً عن دستور جديد ونظام جديد للبنان في معمعة التحولات الكبيرة التي تصيب خريطة الشرق الأوسط السياسية برمتها. من هنا، يمكن فهم الأسباب الحقيقية للسجال والتقاتل حول صيغة الحكومة الجديدة.

فإذا كانت النوايا صادقة في إجراء الإستحقاق الرئاسي، فلماذا كل هذا القتال على حكومة لن تعمّر أكثر من شهرين، حتى موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

الفريقان المتنازعان على صيغة الحكومة، هما في الواقع متفقان على تعطيل الإستحقاق الرئاسي. فمن يريد التمديد، يهمّه أن تكون البلاد في اسوأ أحوالها حتى يبرر عدم انتخاب رئيس جديد، وبالتالي يتطلع الى صيغة حكومية تمهّد للتمديد وتواكبه تلقائياً حتى بعد 25 أيار.

ومن يريد الفراغ، يهمّه أيضاً أن تكون البلاد في أسوأ أحوالها، ويناسبه تأليف حكومة لا تتلاءم مع شروطه لكي يتخذ منها حجة ومبرراً لعدم تسليم الوزارات الى الوزراء الجدد، وبالتالي فرض أمر واقع جديد فيه حكومتان: واحدة مستقيلة وأخرى بلا ثقة.

وفي الوقت ذاته، يحاول هذا الفريق أن يأتي بحكومة تؤمّن مصالحه وأهدافه لما بعد الفراغ في سدة الرئاسة، إذا كان ذلك ممكناً.
الوقت يضيق، إلاّ أن هناك أملاً ضئيلاً في اتصالات خارجية لإجتراح سلة تفاهمات تتناول الإستحقاق الرئاسي والحكومة التي ستليه، وعندها يكون ما نشهده على الساحة المحلية نوعاً من محاولات رفع سقف الشروط والمطالب وتحسين المواقع.

السابق
لبنان بلد يفيض عن حدوده
التالي
مهمة جديدة فاشلة لكيري