إلى ملاك زهوي ومحمد الشعار وآخرين

ملاك زهوة و محمد الشعار و علي حسن خضرا
لا أحد هنا ليمسح دموعكم يا من فقدتم عزيزاً. لا أحد. لا أحد يملك إجابة عمّا يحصل. بل ربما نفعل. ربما نحن بحاجة مرة واحدة كلبنانيين أن نسد كل حدود بلادنا بأجسادنا ونمنعها من أن تصبح ساحة معركة لملوك لا تتزحزح عن عروشها ورؤساء يحركوننا بجهاز التحكم عن بعد.

هذه الجثة المرمية أرضاً ليست مجرد جسد. هي إنسان كان له قلب نابض ولسان ويدان تتحركان وأصابع وساقان وقدمان وأنف وأذن ووجناين وتفاصيل أخرى. هذه الجثة المرمية أرضاً لها أمّ وأب وربما شقيق أوشقيقة وجد وخال وعمّة وصديق وصديقة. هذه الجثة كان لها طموحات ومستقبل وأفكار وآراء ومشاعر ووجهات نظر وغضب وحب وفرح وحزن.
هذه الجثة المرمية أرضاً حملها رحم أمّ. ربما هي جثة ملاك زهوي، الفتاة التي استشهدت في انفجار حارة حريك عن عمر السابعة عشر. ربما ضحك أبوها يوماً ما حين نطقت اسمه أوّل مرّة وربما كانت الطفلة المفضلة لجدتها. ربما كان لها حبيب لن يراها بعد الآن وربما ستبكي قريبتها الان حين تحضّر طعامها المفضل وتقوم لتسكب لها بعضاً منه فتتذكر أنّها لم تعد بين أفراد عائلتها.
هذه الجثة المرمية أرضاً كان لها أحلام. ربما هي جثة محمد الشعار الذي استشهد في انفجار ستاركو. ربما كان يحضّر دروسه استعدادً لامتحان جامعي وربما كان ينتظر أن يهديه والده جهازاً الكترونياً قبل وفاته. ربما كان يخطط لما يريد أن يفعله بمستقبله قبل أن تنسف العبوات جسده وروح معاً. ربما هي جثة علي خضرا الذي قضى في انفجار حارة حريك أيضاً وبقي أهله لساعات لا يعرفون مصيره. ربما كان لديهم أمل ما بأن يكون قد نجا قبل أن يأتيهم خبر وفاته.
هذه الجثة المرمية أرضاً كان من الممكن أن تكون جثة أخي أو صديقتي صديقي أو زميلتي أو زميلي. وربما هذه الجثة كان من الممكن أن تكون أنا. هذه الجثة صارت خارج الحسابات السياسية الدنيئة، صارت بعيدة عن المخططات الايرانية والسعودية والسورية. ما تبقى منها نتف أحلام وأشلاء جسد والكثير الكثير من الموت.
صور الذين قضوا تطل عبر شاشاتنا وتبتسم لنا ونحن لا نملك إلا أن نتسائل هل صرنا نجلس وننتظر موتنا فحسب؟ من سيعوّض على أهل هؤلاء الذين قضوا؟ من سيبرّر لأغراضهم الشخصية غياب أحبائهم عنهم ومن سيكبح هذا الجنون الذي يعصف بنا؟ من سيمسك هذا البلد ويهدهد له قليلاً لكي ينام؟ من سيطمئن قلب أمّ ومن سيسكّن وجع أب؟
لا أحد هنا ليمسح دموعكم يا من فقدتم عزيزاً. لا أحد. لا أحد يملك إجابة عمّا يحصل. بل ربما نفعل. ربما نحن بحاجة مرة واحدة كلبنانيين أن نسد كل حدود بلادنا بأجسادنا ونمنعها من أن تصبح ساحة معركة لملوك لا تتزحزح عن عروشها ورؤساء يحركوننا بجهاز التحكم عن بعد.
الليلة وأنا أضع ابنتي في فراشها، سألتني عن التفجير وقالت عن منفّذ التفجير “هذا رجل مجنون. كيف يفجّر سيارة حديثة كهذه. فجّر Jeep كتير حلو”. الأطفال الذين لا يفهمون ما يحصل هم أفضل منا بكثير. المسألة بالنسبة إليهم تفسّر بـJeep أمّا نحن الكبار فلا نملك تفسيراً لما يحصل إلا خنوعنا المستمر والكثير الكثير من الكراهية والغباء.

السابق
داعش والنصرة تدخلان لبنان لإجبار حزب الله على الخروج من سوريا
التالي
شربل: السيارة لم تخضع لأي تغيير في رقم هيكلها الاصلي قبل التفجير