السعودية والجيش اللبناني: ضربة معلّم سياسية، ولكن؟

هولاند وعبدالله

أقل ماقد يقال عن الهبة السعودية الضخمة للجيش اللبناني، والتي ناهزت الثلاثة مليارات دولار، أنها “ضربة معلّم” سياسية- دبلوماسية، على رغم أن نتائجها أو حتى مآلها لايزالان في علم الغيب، كما سنرى بعد قليل.
لماذا هي ضربة معلّم؟

عبد الله وهولاند: رسائل برسم واشنطن(الصورة من غوغل

لأنها أصابت جملة عصافير بحجر واحد:
– فهي أطلقت رسالة مدوّية إلى الولايات المتحدة بأنها تعني ماتقول حين تفصح عن نيتها تنويع مصادر ضماناتها الأمنية. صحيح أن المملكة لم تتجه هي نفسها إلى استبدال السلاح (والضمانات الأمنية) الأميركية بالسلاح والضمانات الفرنسية، إلا أن اشتراطها على لبنان أن يشتري عتاداً فرنسياً بهذا المبلغ الضخم، هي رسالة من تحت الماء ومن فوقها أيضاً ستفهم واشنطن مغزاها سريعا.
– وهي (الهبة) أطلقت في وجه طهران، التي تتمتع بنفوذ أمني هائل في لبنان عبر حزب الله، مايشبه البطاقة الحمراء في كرة القدم، مفادها انها على استعداد لتمديد حرب الاستنزاف التي تعاني منها طهران في سورية بسبب الأكلاف الباهظة لدعم نظام الأسد، إلى لبنان. وهذه أيضاً رسالة ستعيها إيران سريعا.
– وفوق هذا وذاك، سيكون الهبة مضاعفات كبيرة ومؤثرة على موازين القوى المحلية اللبنانية.
وعلى سبيل المثال، سيشعر العماد ميشال عون، الحليف المسيحي الوحيد لحزب الله، بحرج شديد إن هو تحرّك لاعتراض طريق هذا الدعم لجيش يعتبره عون بمثابة “ابنه المدلل” ويعتبر نفسه المدافع السياسي الأول عنه. هذا علاوة على أن مسيحيي لبنان، الذين يقيمون علاقات عاطفية تاريخية مع الجيش، لم يعد لديهم الآن سوى هذا الأخير لحمايتهم بعد أن تخلوا (رسمياً على الأقل) عن امتشاق السلاح. وبالتالي، إذا ما حاول الجنرال عون اعتراض هذه الصفقة، سيجد أن رصيده الشعبي المسيحي سيتبخر بسرعة الضوء، خاصة وأن السلاح سيأتي من “الأم الحنون” فرنسا.
وقل الأمر نفسه عن حزب الله. فمبرر بقاء هذا الحزب كقوة مسلحة لم يعد المقاومة، بعد أن توقفت عملياته العسكرية ضد إسرائيل منذ حرب 2006، بل القول أن هذه القوة ضرورية لأن الجيش اللبناني ضعيف ولم يستطع مرة طيلة السنوات الخمسين الماضية ردع إسرائيل ومنعها من الاعتدء عليه.
بيد أن تدفق الأسلحة الفرنسية، في حال تدفقت، والتي يتوقع أن تتضمن عتاداً جوياً وصاروخياً متطورا، سيمكّن هذا الجيش الذي يبلغ عديده الـ 60 أو 70 ألف جندي من التحوّل إلى قوة ضاربة حقيقية. كما سيجبر إسرائيل على أخذ قدراته بعين الاعتبار في أي تخطيط لمواجهات جديدة.
بيد أن حزب الله لن يقرأ خلفيات هذه الصفقة في كتاب “قوة لبنان في قوته” لا في ضعفه، بل في الكتب التحليلية الإيرانية التي ستعتبرها خطراً عليه وعلى النفوذ الإيراني، وتعزيزاً لدور السعودية وحلفائها في 14آذار/مايو. ولذا، سيبذل جل طاقته، وإن بطرق ملتوية، لاعتراض سبيلها.
– II –
الآن، وبعد قول كل شيء عن “ضربة المعلّم” السعودية هذه، نأتي إلى ما أشرنا إليه في البداية حول غموض مصير هذه الصفقة التي تبلغ قيمتها ضعف كل ميزانية الجيش اللبناني.
سبب هذا الغموض يتمحور في الدرجة الأولى حول موقف واشنطن وتب أبيب منها:
هل ستكون الولايات المتحدة، التي تسلّح وتدرّب الجيش اللبناني منذ عشرات السنين وتعتبره حصنها السياسي الرئيس في لبنان، في وارد التخلي عن هذا الدور لفرنسا؟
وهل ستقبل إسرائيل، التي لطالما رفضت كل المحاولات الاميركية لتسليم الجيش اللبناني أسلحة متطورة، أن تقوم فرنسا الآن بتحويل هذا الجيش إلى قوة ضاربة؟
في الرد على السؤال الأول، لا بد من الانتظار قليلاً لمعرفة ما إذا كانت سياسة الانكفاء التي تمارسها إدارة أوباما في الشرق الأوسط، تتضمن السماح لحلفائها الإوروبيين بوراثة “تركتها” في المنطقة.
أما عن السؤال الثاني فالجواب سيأتي سريعا: تل أبيب ربما تتحرك بقوة، خاصة في كواليس البيت الأبيض ودهاليز الكونغرس لإجهاض هذه الخطوة، وهي قد تتحدث عن خطر وقوع الأسلحة الفرنسية المتطورة في يد حزب الله. وهذا ماقد يضعها في موقف حرج مع فرنسا التي تحتاج هذه الأيام بشدة إلى كل دولار استثماري لانقاذ اقتصادها المتعثر.
بيد أن المفارقة الكبرى ستكون في احتمال تقاطع الموقف الإسرائيلي العلني مع الموقف الضمني لحزب الله المتوجس من الصفقة.
وفي حال حدث ذلك، ستكون ضرية المعلم السياسية السعودية قد اكتملت فصولاً ووصلت إلى ذروة نجاحها، حتى ولو فشلت الصفقة في التحقق.

السابق
الموسوي: لا حكومة خارج الـ9-9-6 ولا توافق بغياب التوافق على المقاومة
التالي
جنبلاط: تخليد ذكرى شطح والشهداء بالاصرار على النهج الاعتدالي والحوار