اعترافات كاتب عمود

كلمة «الناقد» تعني في اللغة السنسكريتية القديمة «الرجل الحكيم» أو «الحكيم الديني». وفي اللغة الإنجليزية الحديثة تعني الكلمة «عادة خطأ، نادرا ما يتعرض للمساءلة». وهناك طرق لمن يريدون أن يكتبوا عن السياسة ويتجنبوا نتائج ذلك، عن طريق الإبقاء على التكهنات مبهمة (ولقد نجح ذلك مع نوستراداموس) عن طريق الثبات على أمور مؤكدة (قلت لكم إن هيرمان كين لن ينتخب رئيسا) أو عن طريق نشر كلمات مراوغة مثل «من الممكن أن…» كلما سنحت فرصة. لكن الوقت والفرصة وعدم العصمة من الخطأ تجعل منا جميعا في النهاية متنبئين زائفين.

مع ذلك فعندما تفشل الحكمة يكون النقد الذاتي مفيدا؛ فخلال السنوات الأربع الماضية أخضع ديفيد ويغيل، وهو كاتب سياسي لمجلة «سليت» الإلكترونية، لمراجعة نقدية وراجع أولا تنبؤاته وشرح الأخطاء. تلك فكرة جيدة ولذلك أقوم بسرقتها هذا الأسبوع وأسلط الضوء على أكبر أخطائي التحليلية لعام 2013 قبل أن يودعنا العام.

1 – في «بينر الذي أثق به» على ما أعتقد بدأت شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بعمود مجدت فيه جون بينر رئيس البرلمان الكثير الشتم والسب بوصفه «بطلا أميركيا» استحق ثناء أكثر مما ناله على تفادي حالات الغلق الحكومي وهزائم سقف الدين وقفزة الهاوية المالية في 2011 و2012. وفي نظرة إلى الأمام لجولة أخرى من معارك الموازنة، اقترحت أن على الأميركيين أن يشعروا بالامتنان لأن «المتحدث الذي منع الاختلال الوظيفي من التسبب في كارثة المرة السابقة يحاول فعل ذلك مرة أخرى».

من ناحية فنية لم يقم ذلك العمود بأي تنبؤات، لكنه عكس تفاؤلا اتضح أنه لم يكن له ما يبرره؛ فلقد حاول المتحدث مرة أخرى لكنه فشل؛ أولا تغلب عليه تيد كروز ثم قبل بغلق مدمر ذاتيا بشكل مرعب بأمل أن يكسر ذلك حماس حزبه.

هناك أمور يجب قولها عن دفاع بينر والسيناريوهات الأسوأ التي جنبها قبوله للغلق الحكومي. لكنه لا يزال على رأس هزيمة ملحمية كانت ستحدد العام سياسيا ما لم تكن خطة أوباما للرعاية الصحية قد تقدمت لتنقذ الجمهوريين من أنفسهم. توقعت قبل عام أن يتجنب المتحدث مثل تلك الكارثة. وكنت مخطئا.

2 – استخففت بالبابا فرنسيس – أو أخطأت قراءة الصحافة. في أعمدة خصصت للتقاعد غير المتوقع للبابا بنديكت وتصعيد ماريو بيرغوغليو للبابوية، قمت بادعاءين؛ أولا أن «لحظة كاثوليكية» في حياة أميركا يمكن «أن يقوم بها فقط الأميركيون بأنفسهم»، وثانيا أن «اسم البابا الملهم» و«طلعته المتواضعة» لن تكون كافية لإصلاح صورة الكنيسة من دون خطوات جادة لتوسيع المساءلة على فضائح الاستغلال الجنسي لتشمل الطبقات العليا من التسلسل الهرمي للكنيسة.

ونظرا لافتتان الصحافة اللاحق بفرنسيس فربما كانت محاولتي للتقليل من أهمية البابوية في الحياة الدينية للأميركيين سابقة لأوانها. والأكثر أهمية أنني كنت مخطئا تماما حول صورة الفاتيكان، وارتباطه الوثيق بتركة أزمة الفضائح الجنسية. فما فعله البابا الجديد حتى الآن يقل بكثير عما فعله سلفه بنديكت الذي حظي بتقدير أقل لسوء معالجته لحالات الاستغلال الجنسي، وكان مزيج كاريزما وزهد وشمولية فرنسيس كافيا لعكس عقد من الصحافة السيئة للكاثوليكية.

إني ممتن إلى حد ما بأني مخطئ لأن رسالة ومهمة الكنيسة تستحق اهتماما بحجم العمى المتواصل لبعض الأساقفة. لكن ذلك العمى يجب تناوله أيضا. ومن المقلق والفاضح أن تمنح الصحافة البابا الذي يبدو أكثر ليبرالية تصريحا في موضوع ظلت تطرق على سلفه حوله في كل فرصة. وربما لو كنت أكثر تشاؤما قليلا حول هذه الأمور لكنت رأيت أنها مقبلة.

3 – بالغت في تقديري للحوار السوري. عندما بدا الأمر وكأن البيت الأبيض قد يفقد التصويت الذي يسمح بحملة لضرب نظام بشار الأسد، جادلت بأن هزيمة من الكونغرس سوف تنهي الرئيس أوباما «بوصفه لاعبا موثوقا في المسرح العالمي» وتضعنا على طريق طويل وشاق وخطر نحو يناير 2017.

حطمت الأحداث هذه النبوءة عندما أنقذ فلاديمير بوتين ماء وجه البيت الأبيض، ولكن مع ذلك لم يحدث التصويت المصيري ولم يكن هناك مبرر لصوتي المروع المجهد، ليس لأن حوار سوريا لم يكن جيدا لمصداقية الإدارة الأميركية، لكن لأني في إدراكي المتأخر لست متأكدا إن كان الصوت الضائع سيحدث ضررا أسوأ بكثير.

إحدى عادات النقاد السيئة هي بحثهم دائما عن نقاط تحول كبرى، النقاط التي لا يعود بعدها شيء كما كان عليه، فرض أمر صناعي على فوضى الواقعية السياسية. قد تحدث مثل تلك اللحظات أحيانا، مثلا تقدم خطة أوباما للرعاية الصحية الفاشلة لا تزال تمثل ما يشبه نقطة انثناء حرجة محتملة لمصداقية الرئيس الداخلية. لكن فيما يتعلق بسياسة البيت الأبيض الخارجية فإن نقاش القرار السوري يبدو أصغر كلما تراجع، ولقد جعلت منه أكثر مما يستحق. ينتهي هنا النقد الذاتي. سنة شبه جديدة سعيدة، وإلى سنة 2014 معصومة.

السابق
حتى لا نواصل تجهيل الخبر السوري في 2014
التالي
خزانة إردوغان