لهذه الأسباب اغتيل الوزير شطح..

للأسباب نفسها، على الأرجح، التي اغتيل بسببها الرئيس الراحل رفيق الحريري: تجاوز خطوط دولية تعتبرها بعض الأطراف اللبنانية (وغير اللبنانية) حمراء قانية.
الحريري، كما هو معروف، ذهب أساساً ضحية اتهامات سورية له بأنه “تواطأ” مع صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي “تواطأ” بدوره مع الرئيس الأميركي بوش، لإخراج القوات السورية من لبنان بموجب قرار تم إصداره من مجلس الأمن حمل الرقم 1559 .
آنذاك، أي حين صدور القرار في 2 أيلول/سبتمبر 2004، لم يكن أحد ليتوقع أن يدفع الحريري الثمن على هذا النحو المفجع. فهو كان يقيم علاقات ودية ومفتوحة مع حليف سورية الرئيس في لبنان، حزب الله. كما كان يطرح نفسه كقوة اعتدال في الوسط السياسي والسنّي، ويجهد لإرضاء القيادة السورية عبر العمل لها كوزير خارجية غير معيّن لدى القوى الغربية.
بيد أن مسألة الخطوط الحمر طرحت نفسها بقوة بعد القرار 1559 لدى النظام السوري، مادفع هذا الأخير إلى أن يتخطى بدوره الخطوط الحمر السعودية والأميركية والفرنسية ويوعز بعملية الاغتيال الضخمة.
– II –
الأمر نفسه يبدو انه انسحب على محمد شطح.
فالرجل من دون أن يدري، في الغالب، كان يدوس على بعض الخطوط الحمر التي رسمها حزب الله، حين انطلق لتنفيذ مشروع يقضي ببلورة إجماع غربي- دولي – حول إعلان حياد لبنان في الصراع السوري، ثم دعم هذا الحياد بقرار من مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
شطح دخل المرحلة التنفيذية لهذا المشروع، حين خطط للقاءات عدة مع مسؤولين أوروبيين، ثم أميركيين، تمهيداً لتتويج كل ذلك بمؤتمر يتنبى رسمياً فكرة الحياد هذه.
بيد أن حزب الله، الذي تورط بقرار إيراني مباشر  في الحرب الأهلية السوريةـ، اعتبر، وعن حق، أن مثل هذه الخطوة ستكون شبيهة كل الشبه بالقرار 1559، لكن هذه المرة ضده وليس ضد سورية. إذ أن أي قرار أو إجماع دولي في هذا الشأن، لن يفرض عليه ضغوطاً دولية لاتطاق وحسب، بل هو أيضاً سيفرض “القضية اللبنانية” (كما كان شطح يسميها) على المفاوضات الإيرانية- الأميركية، حيث سيكون على طهران تقديم تنازلات ما في لبنان لغير صالح دورها ودور حزب الله الراهن في سورية وبلاد الأرز.
علاوة على ذلك، كانت تتواتر أنباء أخرى عن أن شطح كان مرشحاً لرئاسة حكومة “معتدلة” قد يفرضها الرئيسان سليمان وسلام بقوة صلاحياتهما الدستورية. وهذا تطور يعتبره حزب الله من “المحرمات” التي لا يجوز ولايمكن التغاضي عنها، لأنه سيعرّض كل استراتيجيته التدخلية الراهنة في سورية إلى المساءلة والانكشاف.
– III –
هل ثمة مبالغات ما في هذا التقييم؟
كلا.
لماذا؟
لأنه في لبنان، ليس هناك شيء لبناني. فكل مايجري فيه تعبير عن توجهات خارجية، إقليمية ودولية، لادور فيها للعوامل المحلية سوى كانعكاسات وتجليات لهذا الخارج.
وبما أن شطح وضع نفسه على خط تماس مع بعض التوجهات الخارجية، تماماً كما فعل قبله الرئيس رفيق الحريري، جاءت الترجمة المحلية على هذا النحو المفجع.
إنه لبنان “الساحة” وهو يعيد انتاج دوره “الخدماتي” من دون ملل أو كلل، منذ أيام الفينيقيين قبل ثلاثة آلاف سنة وحتى الآن!

 

السابق
وهاب: تشكيل حكومة أمر واقع أو من قوى 14 آذار انقلاب وسيُرد عليه
التالي
سلطات ايران نفت موافقتها على الاطاحة بالأسد مقابل رفع العقوبات عنها