لبنان باتَ في خانة توجيه الرسائل

على رغم البيان المقتضِب للخارجية الروسية حول التفجير الذي أودى بحياة الوزير السابق محمد شطح في وسط بيروت، فإنّ أوساطها تؤكّد أنّ الديبلوماسيين الروس تلقّوا الخبر بقلق شديد نظراً لحساسية الأوضاع في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً.
أوّل ردّ فِعل لموسكو صدر عن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل مارغيلوف الذي قال: “من البديهي أنّ أيّ اغتيال سياسي في لبنان يحمل بصمات طائفية، ويُنظر إليه على أنه ليس هجوماً سياسياً فحسب، بل أيضاً مواجهة طائفية وإثنية”، مشيراً الى انّ “المواجهة بين الأطراف السورية تنتقل إلى أراضي لبنان بنحو منتظِم، لأنّ لبنان وسوريا مرتبطان سياسياً وإثنياً واقتصادياً”.
بدورها، أكّدت أوساط الخارجية الروسية انّ السّاسَة الروس يُجمعون على أنّ ما يجري في لبنان هو من تداعيات الازمة السورية، خصوصاً انّ الأطراف السياسية اللبنانية قد دخلت المعادلة السوريّة على المستويات كافة، لا سيما السياسية والعسكرية، الأمر الذي فتح الأبواب أمام تسَرّب الأزمة الى الداخل اللبناني.

وترى هذه الأوساط أنّ الأجواء السياسية المشحونة في هذا البلد من شأنها جَعل لبنان ساحة مفتوحة يصعب ضبطها في ظلّ الانقسام الحاصل بين مختلف شرائح المجتمع. وتعتبر أنّ التناقضات وعدم الالتقاء على طاولة الحوار بين الخصوم السياسيين هي الأسباب الأساسية التى تؤدي الى تحَكّم العوامل الخارجية بالمشهَدين السياسي والأمني في البلاد.

ولا تستبعد الأوساط أن تكون هناك أيادٍ خفية تعمَل بطاقات كبيرة على توتير الأجواء في المنطقة، لأنّ هناك مؤشرات في الأفق لحَلّ بعض الملفات الشائكة، ومنها ملف النووي الايراني، وإتلاف المخزون الكيماوي السوري، والإعداد لمؤتمر “جنيف ـ2″، إضافة الى بروز بعض المؤشرات الإيجابية في قضية تأليف حكومة لبنانية جامعة لكافة الأطراف. وتؤكّد انه بما أنّ لبنان مرتبط بالأزمة السورية، فإنه سيبقى عرضة للاهتزازات الأمنية بين الحين والآخر. وبالتالي، فإنّ ما يجري لا يمكن قراءته سوى من زاوية أنّ لبنان باتَ في خانة توجيه الرسائل بين الأطراف المتنازعة في المنطقة.

وتعتبر الأوساط انّ الأحداث الاخيرة التي شهدها لبنان، وتحديداً التفجير الذي استهدفَ السفارة الإيرانية في بيروت، إضافة الى التفجير الذي أودى بشَطح، لا تستهدف طرفاً سياسياً محدداً، بل على اللبنانيين أن يدركوا أنّ هذه العمليات الارهابية تستهدفهم جميعاً، بغضّ النظر عَن انتماءاتهم، وعلى جميع المكوّنات السياسية في لبنان أن تتحَمّل مسؤولياتها تِجاه ما يجري، لأنّ استمرار الأوضاع على هذا النحو سيقلب الطاولة على رؤوس الجميع.

وتؤكّد الاوساط انّ الخيار الأفضل في ظلّ الأوضاع الحالية هو تأليف حكومة استثنائية تضمّ أقطاب السياسة اللبنانية، لتفادي الوقوع في الفراغ الكُلّي، خصوصاً أنّ البلاد بلا حكومة حالياً، إضافة الى مجلس نيابي شِبه مشلول بعدما مَدّدَ لنفسه 17 شهراً، زِد على ذلك اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. وفي ظلّ هذه الصورة لا يمكن إجراء أيّ استحقاق انتخابي، رئاسياً كان أو نيابياً، ما يعني أنه في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإنّ الفراغ سيسيطر على المؤسسات الدستورية. وبالتالي، فإنّ لبنان سيذهب الى الفوضى.

وتدعو أوساط الخارجية الروسية جميع الأطراف في لبنان الى ضبط النفس، والجلوس الى طاولة المفاوضات، وإجراء حوار سياسي، لأنّ التجارب الماضية المشابهة كانت مشجّعة الى حد ما، على رغم أنها لم تضع حلولاً نهائية للأزمات المتعددة، لكنها ساهمت الى حد كبير في حلّ بعض القضايا، وتخفيف حال التوتر والاحتقان في كثير من المنعطفات والمحطات الساخنة التي مرّ بها هذا البلد منذ العام 2005.

السابق
صدمتان
التالي
لماذا شطح وليس الأسير؟