يوم تفجير عادي.. نحن أحياء لكن لسنا بخير

انفجار ستاركو
شاشات التلفزة تعرض صور الانفجار. الجثث تحترق على الطريق. نقاط الدم تظهر على درج مبنى ستاركو. "نعم، أنا بخير"، يرسل أحد الأصدقاء عبر الواتساب. "الحمدالله على السلامة". مجدداّ... بعد ساعات على التفجير... "آلو، أنتم بخير... طمنونا عنكم". "نحن أحياء نعم ولكن الأمر المؤكد أنّنا لسنا بخير".

بووووم… يهتّز المبنى الذي نحن فيه. تخرج إحداهنّ في حالة هلع. تنقطع خطوط الهاتف. يبدأ المواطن بتقليب محطات الأخبار. التفجير وقع قرب فينيسيا، في عين المريسة، السان جورج… لا، لا. مبنى ستاركو. أنباء عن مقتل شخصية سياسية. قيادات 14 آذار كانت مجتمعة في بيت الوسط. انتحاري. لا. سيارة مفخخة. قتيل. اثنان. ثلاثة… لا خمسة. أكثر. حصيلة الجرحى النهائية 50… 60… 70…
عثروا على رخصة قيادة أحد المسؤولين… القوى الأمنية تطوّق المكان. مخابرات الجيش تتلاسن مع فرع المعلومات. تنطلق صفارات سيارات الإسعاف. الانفجار استهدف موكب الوزير السابق محمد شطح. رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة بخير. قيادات 14 آذار ما زالت في بيت الوسط. والدة مرافق شطح تبحث عن جثة ابنها. تناشد المسؤولين مساعدتها لإيجاد الجثة. تجدها.
خطوط الهاتف لا تزال مقطوعة. الخطوط الأرضية تعمل. “ماما، جيرانا عم يسألوا وين الانفجار؟”. الواتساب شغّال. “أنتم بخير؟ طمنونا عنكم؟”… “جنى… أين أنت؟ مكان عملك قريب من الانفجار؟”. آلو… توت، توت، الخطوط تنقطع من جديد. صفحات الفايسبوك تتحوّل إلى ورقة نعي. بيانات استنكار. الناس تحتاج أن تعبّر عن نفسها. علم لبنان مكلّل بالسواد. تنتشر صورة رخصة القيادة المحروقة.
شاشات التلفزة تعرض صور الانفجار. الجثث تحترق على الطريق. نقاط الدم تظهر على درج مبنى ستاركو. “نعم، أنا بخير”، يرسل أحد الأصدقاء عبر الواتساب. “الحمدالله على السلامة”. مجدداّ… بعد ساعات على التفجير… “آلو، أنتم بخير… طمنونا عنكم”. “نحن أحياء نعم ولكن الأمر المؤكد أنّنا لسنا بخير”.
يمرّ الوقت. بيانات الشجب تنهال من كل البلدان. السعودية والكويت يحذران رعاياهم من السفر إلى لبنان. تنطلق الاتهامات. القاتل معروف. جميعنا نعرفه أو هذا ما نظن. تُستحضر اسرائيل إلى الساحة ويُستحضر النظام السوري.
القاتل معروف كما نزعم منذ سنوات ولا أحد يعطينا له اسماً واضحاً وملامح. نريد أن نعرف من هو هذا القاتل. نريد أن نرى شكل وجهه ولون عينيه. نريد أن نعرف بعيداً عن التكهنات والتحليلات. نريد أن ننظر إلى هذه الأجهزة التي تخطط للخراب وأن نرى الغرف السوداء التي تحضّر فيها كلّ هذه الجرائم.
نريد أن ينتهي يوم التفجير العادي بتوضيح. نريد ذلك لكي يتوقّف مسلسل الدمّ. نريد ذلك كي لا تتحوّل أيّامنا إلى عرض سينمائي يتكرّر ويرتفع معه عدد شهداء الموت المجاني. لم نعد نريد أن نذهب إلى أعمالنا اليومية ولا أن نتابع حياتنا. نريد أن نفهم. ولكن هذا لن يحدث. غداً سيصبح وقع الانفجار أخفّ دويّاً. ستنظّف الساحات من الموتى. سيعود السياسيون إلى تبادل التهم. سيستمر حزب الله في قتاله في سوريا. وسيبقى البلد بلا حكومة وبلا برلمان وربما قريباً بلا رئيس.
يُقتل اللبنانيون منذ أيام الحرب الأهلية بلا حساب وبلا عقاب. يُغتال الوطن في اقتصاده وأمنه كل دقيقة ولا عقاب أيضاً. يٌقتل بعض اللبنانيين مرّة واحدة في التفجيرات ونُقتل نحن البعض الآخر، المطعونون في حقوقنا، كلّ يوم.

السابق
ال LBC: محمد شطح يحمل الرقم أحد عشر لشهداء ثورة الارز
التالي
محمد شطح: لا يمكن هزيمة العقل.. إلا بعبوة