الصين والسعودية: خبرة مشتركة للتنمية وفرص جديدة للتعاون

شهدت الصين تغيرات اقتصادية واجتماعية هائلة خلال الـ35 عاما التي مضت على اتخاذها سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، حينما كان الناتج المحلي الإجمالي للصين، الذي لم يبلغ نصيب الفرد منه إلا 127 دولارا، يشكل 1 في المائة فقط مما هو للعالم، وكان حجم وارداتها وصادراتها يقل عن 0.8 في المائة من المستوى العالمي؛ غير أنها أصبحت ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012، فتجاوز هذا الرقم فيها 8 تريليونات دولار، نصيب الفرد منه 6100 دولار. كما أصبحت الصين أكبر دولة مصدرة وثاني أكبر دولة مستوردة في العالم، حيث تجاوز حجم صادراتها ووارداتها 3.8 تريليون دولار في العام نفسه.

وفي السنتين الماضيتين منذ أدائي مهمتي في السعودية، تشرفت بأن أكون شاهدا لما حققته المملكة تحت القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي ورفاهية الشعب والازدياد المستمر لدوره وتأثيره في الساحة الدولية، ولا سيما في ظل الاضطرابات التي يعيشها عدد من الدول في المنطقة، الأمر الذي يلفت الأنظار من العالم بأسره.

وأرى أن هنالك قواسم مشتركة وراء التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين والسعودية على الرغم من المسافة البعيدة بينهما وظروفهما وإمكاناتهما الوطنية المختلفة. أولا، يلتزم كلا الجانبين بطريق التحديث والتنمية الذي يتناسب مع ظروفه وإمكاناته الوطنية، ويحرصان على التعامل مع الإصلاح والتنمية والاستقرار بشكل ملائم. ثانيا، يلتزم كلا الجانبين بمبدأ «الإنسان أولا»، ويحرصان على التجاوب مع إرادة الشعب، ويعملان على تحسين مستوى معيشته. ثالثا، يلتزم كلا الجانبين بالتحلي بنظرة بعيدة المدى، وتتمسك كلتا القيادتين – الصينية والسعودية – بتخطيط التنمية في البلدين بالرؤية الاستراتيجية والدولية والتاريخية، بناء على آخر تطورات العصر. رابعا، يلتزم كلا الجانبين بمواكبة العصر، ويعملان على تغيير الاتجاه التنموي للبلدين على وجه السرعة وإضفاء الحيوية المطلوبة لضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة تكيفا مع التطورات في الساحتين الدولية والمحلية وحسب الظروف الاجتماعية وإرادة الشعب.

عُقدت في الصين مؤخرا الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، التي تبنت قرارا استراتيجيا لتعميق الإصلاح على نحو شامل، يضم خطوات هامة وتاريخية لتعزيز الإصلاح على نحو شامل في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيولوجية وغيرها، الأمر الذي وضع خطة عريضة جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين.

سيشهد اقتصاد الصين مستقبلا أكثر رحابة. ويعد الإصلاح الاقتصادي محورا حيويا من محاور الإصلاحات على نحو شامل في الصين، حيث سيجري تحقيق بناء المجتمع الرغيد على نحو شامل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي ضعفين بحلول عام 2020 عما كانا عليه في عام 2010.

سيصبح اقتصاد السوق في الصين أكثر اكتمالا. يحرص الجانب الصيني على التعامل الأمثل مع العلاقة بين الحكومة والسوق، بما يمكن الأخيرة من لعب دور حاسم في توزيع الموارد؛ ونحرص على استكمال نظام السوق المالية والإسراع بوتيرة تحديد نسبة الفوائد من خلال السوق، وتحقيق التحويل الحر للعملة الصينية رنمينبي بشكل تدريجي؛ وإقامة نظام ضريبي أكثر علما ومواصلة استكمال نظام حماية حقوق الملكية.

ستتطور عملية الانفتاح الصيني نحو الخارج بشكل أكثر عمقا. وسنتخذ مزيدا من الإجراءات لرفع القيود عن دخول الاستثمار، والإسراع بوتيرة بناء المناطق الحرة وربط البنية التحتية مع الدول والمناطق المجاورة، بما يشكل خارطة جديدة للانفتاح الشامل الأبعاد.

ستصبح الصناعات الناشئة في الصين أكثر حيوية. وسنعمل على الإسراع بإعادة هيكلة الاقتصاد وتصفية الإنتاجية المتخلفة بما يحقق التحديث الصناعي؛ وسنعزز الإصلاح للنظام العلمي والتكنولوجي والتشجيع على الإبداع العلمي والتكنولوجي؛ كما سنعزز الحماية البيولوجية وإدارة البيئة ونقدم دعما قويا لقطاعات التكنولوجيا الجديدة والطاقة الجديدة والمواد الجديدة، بما يفتح آفاقا واعدة للتصنيع المتقدم والخدمات باستخدام التقنية العالية وقطاع حماية البيئة.

ستصبح الصناعات الثقافية في الصين أكثر نشاطا. وسنعمل على توسيع التواصل الثقافي مع الخارج ونبذل جهودا فعالة للاستفادة من جميع الإنجازات المتميزة التي حققتها الثقافات العالمية، وجذب المواهب الثقافية والاستفادة من التقنيات وتجارب التشغيل والخبرات الإدارية من بلدان العالم.

هناك أسباب تعزز قناعتنا بأن العالم سيشهد «صينا» أكثر ازدهارا وحيوية تقدم مساهمة أكبر للعالم. كما أن التنمية في الصين ستأتي بفرص جديدة لمواصلة توسيع وتعزيز التعاون بين الصين والسعودية، بل وحتى بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بأكمله.

الفرص اللامحدودة للتعاون الاقتصادي والتجاري: إن التطور المستمر والسليم للاقتصاد الصيني سيبقي الصين سوقا ثابتة لصادرات الطاقة السعودية والخليجية وشريكا مهما للتجارة في السلع وأكثر الأسواق إمكانية لنمو التعاون الاستثماري، كما سيأتي بفرص جديدة للتعاون بين الجانبين في مجالات الطاقة الجديدة والتكنولوجيا العالية وغيرها، علما بأنه في الـسنوات الخمس المقبلة، سيبلغ حجم واردات الصين 10 تريليونات دولار بينما سيصل حجم الاستثمارات الصينية في الخارج إلى 500 مليار دولار. كما أن منطقة التجارة الحرة المنشودة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي ستساهم بقوة في تسهيل التعاون الاقتصادي والتجاري وتبادل الأفراد بين الصين والسعودية بشكل خاص، وبين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، بما يدعم التنمية المشتركة للجانبين.

المستقبل الواعد للتواصل الإنساني: إنه من الضرورة بمكان تكثيف التواصل والتعاون بين الفرق الثقافية والفنية ووسائل الإعلام والمؤسسات الفكرية وفي مجالات الشباب والتربية والتعليم وغيرها بين الصين والسعودية ومجلس التعاون الخليجي، لتعزيز السياحة المتبادلة والفهم المتبادل، وتدعيم الاستفادة المتبادلة بين الحضارات الصينية والعربية والإسلامية، بما يمكنها من مواصلة المساهمة في تعزيز الحضارة الإنسانية.

الآفاق الواسعة لتبادل خبرة الحكم وإدارة البلاد: حققت الصين والسعودية إنجازات مرموقة وتتحملان مسؤولية متشابهة للتنمية، وتعزيز تبادل خبرة الحكم وإدارة البلاد بين الجانبين أمر ذو مغزى إيجابي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصحية والمستقرة والمستدامة في الجانبين وللحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية في العالم بأسره.

تنظر الصين إلى المملكة كصديق وأخ وشريك وثيق، وهي على استعداد للعمل معها لتقاسم الفرص المتميزة الظاهرة للتنمية وتعزيز التعاون على نحو شامل وإيجاد مجالات جديدة للتعاون باستمرار، بما يحقق أكبر قدر من مصلحة الشعبين من خلال التنمية المشتركة.

السابق
من المتآمر على إردوغان؟!
التالي
إيران تتجاوز المصاعب وتريد أن تزدهر