السعودية وإيران وثالثهما الشيطان الأكبر

كيف يمكن أن تقرأ السعودية وإيران مطالبة الولايات المتحدة قادة الشرق الأوسط بوقف دعم داعش والنصرة وبقية الفصائل السلفية السنّية؟

الأرجح أن الصورة على هذا النحو: الرياض ستفسرها على أنها دليل آخر على انحياز الولايات المتحدة إلى الشيعة، في الصراع المذهبي الذي يدور رحاه الآن في كل المنطقة. وهذا سيزيد القلق والهواجس السعودية من أبعاد ومضاعفات الصفقة النووية المؤقتة بين إيران والغرب.

وطهران، من جهتها، سترى في البيان الأميركي إطلاقاً ليدها في سورية، وتعزيزاً لموقف الإصلاحيين في الداخل الإيراني الذين يؤيدون انحياز إيران إلى “الشيطان الأكبر”، في إطار انتقالها من الثورة إلى الدولة وتحوّلها إلى دولة “عادية” ضمن النظام الرأسمالي العالمي.

بيد أن كلا المقاربتين ناقصتين.

صحيح أن الولايات المتحدة تعتبر القاعدة واخواتها الخطر الإرهابي الأكبر عليها وعلى الأمن الدولي، إلا أن ملفات الكونغرس وووزارتي الخارجية والدفاع تعج بالوثائق والقرارات التي تعتبر إيران دولة إرهابية وتصنّف حليفها الرئيس في المشرق (حزب الله) في الخانة نفسها.

وبالتالي، الحديث عن انحياز أميركا إلى الشيعة في الصراع المذهبي الراهن في الشرق الأوسط ليس دقيقاً تماما. ما هو دقيق هو أن الولايات المتحدة، بعد الانفتاح الإيراني عليها مع وصول (أو بالأحرى تسهيل الأمام خامنئي لوصول) حسن روحاني إلى سدة الرئاسة، اعتبرت أنها في موقع يمكّنها من ممارسة سياسة توازن القوى في المنطقة، بعد 30 سنة من حالة العداء المطلق مع إيران.

ماذا يعني توازن القوى هذا، في المرحلة الراهنة؟

إنه يعني أن الولايات المتحدة ستكون في يوم إلى جانب السعودية، وفي يوم آخر إلى جانب إيران، تبعاً لكل حالة أو تطور على حدة.

وهذا يترجم نفسه في سورية، على سبيل المثال، في وقوف واشنطن إلى جانب إيران وحزب الله اللبناني في المعركة ضد داعش والنصرة، تماماً كما جاء في “مناشدة” البيت الأبيض لقادة المنطقة لوقف دعم هذين التنظيمين. بيد أن هذا لن يكون سوى انحياز مؤقت. إذ بعد حين قد تنقلب الولايات المتحدة ضد إيران وحزب الله في سورية، عبر دعم قوى إسلامية سنّية أكثر اعتدالاً، سوى تمثلت هذه في الجبهة الإسلامية أو الجيش الحر بعد إعادة إحيائه.

اللعب على الحبلين، ستكون هي السياسة الأميركية الجديدة في سورية والمنطقة. وهو توجّه بات ممكناً بعد إعادة النظر الاستراتيجية الشاملة التي قامت بها إدارة الرئيس أوباما في توجهات السياسة الخارجية الأميركية. في المحافل الدولية، عُرفت إعادة التقييم هذه بـ”الاستدارة” ( Pivot) شرقاً نحو آسيا- حوض الباسيفيك ونحو إصلاح الداخل الأميركي، ويالتالي تقليص الاعباء والالتزامات الأميركية في الشرق الأوسط وأوروبا.

أما في الداخل الأميركي، فيجري الحديث أكثر عن تخلي إدارة أوباما عن “مبدأ كارتر” الذي صاغه (كما هو معروف) الرئيس الأسبق جيمي كارتر العام 1980، والذي رمى فيها بالثقل العسكري الأميركي في منطقة الخليج، غداة “خسارة” الولايات المتحدة لإيران بعد ثورتها العام 1979 والغزو السوفييتي لأفغانستان.

وهذا عنى بالنسبة إلى أوباما رفض الانجرار إلى أي حروب أخرى في منطقة الشرق الأوسط الكبير، من سوريا إلى إفريقيا الشمالية، واستبدال “مبدأ كارتر” الذي وضع الأمن الخليجي مباشرة في أيدي القوات الأميركية عبر سياسة الاحتواء المزدوج آنذاك، بـ”مبدأ أوباما” الداعي إلى أن تلعب الولايات المتحدة دور”المدوزن” لموازين القوى في المنطقة، من خلال استراتيجية الإشراف بحراً من بعيد على التطورات فيها، تماماً كما فعلت القوة الامبراطورية البحرية البريطانية طيلة ثلاثة قرون.

لكن، هل ينجح مثل هذا التوجُّه الجديد؟

لا ونعم.

لا، لأنه لن يحقق الاستقرار في الشرق الأوسط، بل “سينظم” و”يدير” الحروب المذهبية والطائفية المستعرة أصلاً، طالما أن الولايات المتحدة لاتبدو مهتمة (حتى الآن) في إقامة نظام أمن إقليمي جديد يحل مكان الفوضى غير الخلاقة الراهنة في المنطقة.

ونعم، لأنه سيمكِّن أميركا من تجديد سيطرتها (ومعه إسرائيل) على الشرق الأوسط عبر سياسة فرّق تسد، بأقل التكاليف الممكنة، الأمر الذي سيساعدها على الاستدارة شرقاً نحو آسيا- الباسيفيك والداخل الأميركي.

هل ثمة ضرورة للتساؤل عمن سيكون الضحية الكبرى في لعبة موازين القوى الجديدة هذه؟

اسألوا شعوب المنطقة.

السابق
حزب الله ورئيس الجمهورية: النصيحة.. وإلا الفتنة
التالي
موسى: صيغة 996 هي الافضل في هذه المرحلة