مهزلة

حرب كلامية مستعرة بين عدد من الصحافيين والكتّاب والفنانين والسياسيين، والمستهلكين للهفوات والمعيدين إنتاجها، تنتشر منذ أيام. تنطلق من المواقع الاجتماعية، لتحطّ على صفحات الجرائد، والمواقع الالكترونية، وعبر الشاشات والإذاعات.
يقدم «الحفل الكريم» من خلالها خدمة، قد لا تكون مجانية، لأمراء الطوائف والمذاهب.. لأمراء الحروب المتلهين بقضم أقدارنا. يملأ صراخ «الإنتلجنسيا» جزءاً من الفراغ لتشكل اشتباكاتهم حدثاً تلوكه المساحات الورقية والزمنية، لأيام.
إلا أن اللافت في الاشتباكات الحالية، هو تدنّي مستوى الخطاب لدى المتناحرين، وضياع البوصلة.
ضياع البوصلة أو «الشنكاش»، ربما يكون له مبرره. وإن كان المبرر واهياً جداً. فضياع القدرة على التفكير المنطقي أتى بعد الاستهداف الشخصي لعدد من الأشخاص ما استدعى ردوداً منهم، فورية، موتورة، وأحياناً متهوّرة. ثم «فلت الملَقّ» وتمترس المتقاتلون خلف حصونهم الفايسبوكية، منتشين بصيحات مجموعات من الهوبرة و«اختلط الحابل بالنابل».
أما ما لا يمكن تبريره بحال، وما يؤسَف له بشدة، فهو الحقل اللفظي الذي سبح فيه المتقاتلون. فألفاظهم لم تخرج من عتبة المرحاض، ولم ترتقِ عن كعب حذاء. وذلك ليس سوى الإفلاس بعينه.
في ظل خواء المؤسسات الدستورية، وتدنّي قدرة الناس على العيش إلى الحضيض، وتكفير المواطن بوطنه.. تنشط ماكينات التحريض المذهبي، المغلف بالأيديولوجيا حيناً وبالتباكي من بعيد على ضحايا الأنظمة الديكتاتورية أحياناً. تستهلك تلك الماكينات «أسماء كبيرة» كنا نأمل بها خيراً.. لكن يتبين يوماً بعد يوم، وللأسف، أنه لا يُعوّل عليها.
هي مهزلة مستمرة، وباتت قذرة. فتحية إلى من لم ينجرّ إلى المهزلة.
عماد الدين رائف

السابق
فاجعة لدُعاة التقسيم
التالي
إنها السعوديّة… بالأدلة الأميركيّة والرسميّة