لماذا العنصرية ضدّ أهل الجنوب يا وسام سعادة؟

وسام سعادة
كتب وسام سعادة ستايتوس على الفايسبوك دعا "الممانعين" الى العودة الى زراعة التبغ والفلاحة. فهل قصد "أهل الجنوب"؟ أم كلّ فقير وفلاح. وهل يرضى أن يقول له أحد: "عُد إلى بيع الدخّان والشوكولا في دكّان والدك"؟ هل هكذا يتحدّث أستاذ الفلسفة السياسية في بيروت والهند؟ خصمك يا وسام يفوز عليك ليس عندما يلزمك بترداد شعاراته، بل عندما ينجح في جعلك تتبنّى منطقه الاستعلائي، من حيث تدري أو لا تدري، فتصير على أرضه وبين جمهوره.

من لا يعرف الكاتب وسام سعادة؟ لمّاح على الفايسبوك، وفي مقالاته. قارىء نهِم. كاتب سياسي ومحلّل لامع نستضيفه قنوات لبنانية بشكل دوري، وأستاذ الفلسفة السياسية في جامعات بيروت والهند. لكنّه يصرّ على نرجسية “مهضومة” أحيانا. فكم من مرّة كتب أنّه “إله”، وأنّه فوق البشر العاديين. وكم من مرّة جهر بأنّه ليس علمانيا بل مسيحيا مارونيا.

لوسام الكثير من اللمعات، وأكثر منها الشطحات، التي غالبا ما تلامس العنصرية. لكنّ البوست الأخير كان القشّة التي قسمت ظهر البعير. فهو كتب التالي: “أيها الممانعون صبرا: لقد مضى العهد الذي كنت تتفرعنون فيه بسلاحكم علينا. أتعلمون لماذا؟ الليبراليون قد يجدون صعوبة في البوح. لكني أزعم أني أتخطاها هذه الصعوبة وأبوح: لأنّ من تتهموننا بهم من تكفيريين نصرة أو داعش، ومهما كان رأينا فيهم، إنما ستذهبون وإياهم في توازن الرعببين الارهابين السني والشيعي الى سكة اللي بيروح ما يرجعش. نصيحتي لكن، وبما أني بخلاف الليبراليين أشجع على العودة الى الريف: عودوا الى الفلاحة. عودوا الى شك التبغ. انفع للجميع”.

فماذا تقصد يا وسام بقولك: ” الليبراليون قد يجدون صعوبة في البوح”؟ البوح بماذا؟ بالعنصرية؟ أم بشيء آخر استعصى علينا فهمه؟

ومن تخاطب بقولك: “عودوا الى الفلاحة”. هل تقصد كلّ فقير كان فلاحا أو من عائلة فلاحين؟ وهل تقصد أهل الجنوب والبقاع والشمال؟ هل تقصد كلّ فقير؟ وهل نسيت أنّك درست في الجامعة بمال كان، ولا يزال، والدك يكسبه من دكّان متواضع في ضاحية بيروت الجنوبية؟

هل بات الفقر عيبا؟ وهل تقبل من أحد دعوه إليك لتبيع الشوكولا والدخّان والكحول ورقائق البطاطا في الدكّان إلى جانب والدك؟ هل الفقر عيب أيّها الآتي من الماركسية والشيوعية؟ يا ابن أخت الشهيد جورج حاوي، المعلّم الإشتراكي الأبرز في لبنان.
هل كنت تقصد أهل الجنوب فقط؟ أم الشيعة تحديدا؟ ممن كانت شتلة التبغ، ولا تزال، لا تسدّ رمق أطفال الذين يعتاشون (هل يعتاشون فعلا؟) منها.

هل تجرّدت يا وسام سعادة من الأخلاق، على اعتبارها “ليبرالية”، ومن الديمقراطية والمساواة باعتبارها “رادعا عن البوح”؟ وهل تجرّدت من دعوتك الى “رفض تغلبة الشيعة على بقية اللبنانيين”، كما كتبت عشرات المرات في الأيام الأخيرة، وقرّرت أنّ أهل الجنوب “أنفع للجميع” أن “يعودوا الى الفلاحة وشكّ التبغ”.

والحال هذه هل يحقّ لقائل ما قلت، إذا كان يقصد أهل الجنوب، وإذا كان يقصد الشيعة تحديدا، أن يرفض رغبة هؤلاء، الذين يحقّرهم، في “التغلبة” عليه وعلى كلّ من يفكّر مثله. وألا يكون هذا الكلام استمرارا لعقلية “النوعية والكمية”، باعتبار المسلمين في السبعينات وصولا الى الألفية الجديدة، والشيعة استطرادا بعد 2005، “كمية” أقلّ نوعية من “التفوّق المسيحي” والماروني تحديدا، رغم ضآلة “كمّيتهم”.

وسام سعادة، أنت تطرح نفسك مثقفا لبنانيا وأستاذا في الفلسفة والسياسة، وكاتبا ومحللا سياسيا، وترفض “اللاسامية”، هل يزيد هذا البوست عن ثقافة أيّ رضيع مذهبي هنا أو هناك؟ يرضع الحقد والجهل مع حليب والدته، ولا يبصقه إلا مع الدماء، حين يصير قاتلا أو مقتولا في المعارك المذهبية – العنصرية – التافهة.

الانفعالية لدى وسام سعادة غير مبررّة لأكاديمي وباحث مثله. يمكن تفهّم مثل هذا الموقف من بعض الناس المتترسين خلف عصبياتهم، لكن ليس منه. إذ لا شكّ أنّ ما تمارسه قوى الممانعة وتقوله في السياسة والأمن، وفي محاولتها عسكرة لبنان، وفي اعتماد التهويل والتهديد والوعيد كأسلوب وحيد مع خصومها، يؤدّي إلى ردود فعل مثل هذه.

لكن يعلم وسام سعادة أنّه في ردّه على هذا السلوك، بهذا الكلام المشوب بعنصرية واضحة، أعطى هؤلاء الممانعين ما يتمنّونه. فالعنصرية ومنطق القوّة، كلّ واحد منهما يتغذّى من الآخر ويستقوي به.

يا وسام: هؤلاء لا علاقة لهم بزراعة التبغ، ومعظمهم لم يذُق مرارته، ولا حلاوته، على ندرتها. كما أظنّك لا تعرف عن حلوها ومرها شيئا. هؤلاء يا صديقي، الذين ظننت أنّك تمسّهم حين تهجو أهل التبغ وشكّ الدخّان، هؤلاء يتاجرون بآلام الناس وأحلامهم وذكرياتهم، وبعضهم يأكل حقوق الفلاحين ومزارعي التبغ.

وأنت يا وسام صدّقت أنّهم كانوا يزرعون التبغ ذات يوم، وصرت مثلهم، لأنّ ما يقومون به من استقواء وازدراء ما عداهم قد وقعت به انت. وهذا إنجاز يسجّل لهم: أنّك سقطت في فخ الاستقواء والازدراء والاستعلاء.

الغضب هو غضب الحقّ وغضب الإنسان فينا، وغضب المنطق وغضب العدالة وغضب لبنان، فلا تجعله غضبًا عنصريًا وسقوطًا اخلاقيًا.

خصمك يا وسام يفوز عليك ليس عندما يلزمك بترداد شعاراته، بل عندما ينجح في جعلك تتبنّى منطقه الاستعلائي، من حيث تدري أو لا تدري، فتصير على أرضه وبين جمهوره.

السابق
محمد سباعنة… رسام كاريكاتور يهزم الزنزانة بلوحة
التالي
سليمان: سأتحدث بصراحة كاملة في 29 الجاري والتمديد آخر ما أفكر به