سليمان لـ «حزب الله»: ماذا نفعل إذا تعذرت الحكومة الجامعة؟

 

راوحت الاتصالات والمواقف في شأن تأليف الحكومة الجديدة مكانها أمس، ولا سيما بعد اجتماع رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» النائب محمد رعد، اذعرض كل منهما موقفه المعروف من الصيغة الحكومية، فيما قال الرئيس سليمان في تصريح منفصل إنه سيستعمل كل صلاحياته وكل جهد ممكن من أجل دفع عجلة تشكيل الحكومة.

 

وفيما تردد في بعض الأوساط أن هناك تفكيراً باللجوء الى حكومة تضم أقطاباً مع بعض السياسيين من الصف الثاني على أن تكون مصغرة (من 10 وزراء أو 12 وزيراً) ورجح بعض المعلومات أنها كانت مدار بحث بين سليمان ورعد، نفت مصادر رسمية ذلك قائلة إن الفكرة طرحت في بعض الحلقات الضيقة لكن تبيّن انها غير قابلة للتنفيذ، وأن أصلها كان تحويل هيئة الحوار الوطني مع اضافة بعض الشخصيات إليها، الى حكومة، لكن الأمر بقي عند حدود الفكرة.

 

من جهة أخرى علمت «الحياة» من مصادر فرنسية مسؤولة أن زيارة الرئيس فرنسوا هولاند الى المملكة العربية السعودية يوم الأحد المقبل واجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ستتناول الموضوع اللبناني، باعتباره موضوعاً أساسياً وله أولوية، اضافة الى الملفات الأخرى المتعلقة بسورية والمفاوضات مع ايران حول ملفها النووي والوضع في مصر.

 

وذكرت المصادر الفرنسية المسؤولة لـ «الحياة» ان ضرورة مساعدة لبنان لمعالجة أزمة النازحين السوريين ودعم استقرار المؤسسات فيه سيكونان ملفين أساسيين نظراً الى أن باريس ملتزمة في شكل كبير بهما وأنها تتمنى العمل مع السعودية للحفاظ على الاستقرار والأمن في لبنان. وأوضحت المصادر أن الجانب الفرنسي سيبحث مع السعودية في تأمين نجاح مجموعة الدعم الدولية للبنان حول مساندة الجيش اللبناني ودعمه وأيضاً مساعدة اللاجئين، ما يعني ان باريس ستبحث الدعم السياسي والمالي للبنان. وفي هذا السياق كشفت مصادر عربية لـ «الحياة» ان المملكة أبلغت استعدادها لتقديم دعم مالي كبير لتعزيز الجيش اللبناني.

 

أما بالنسبة الى التعطيل الحكومي وسائر المؤسسات في لبنان فإن باريس ترغب في قيام توافق اقليمي على استقرار لبنان وحمايته. ورأت المصادر الفرنسية المسؤولة أنه لا يمكن السعودية أن تمارس ضغوطاً على 14 آذار لتوافق على شروط «حزب الله» لتشكيل الحكومة. أما بالنسبة لرئاسة الجمهورية فإن فرنسا مثل المملكة، مهتمة جداً في حماية مؤسسة الرئاسة «التي تُعتبر أساسية للتوازنات في لبنان. وسيتطرق هولاند الى الموضوع مع القيادة السعودية الحريصة على هذا الموضوع وستستكشف باريس مع السعودية والجهات الأخرى كيفية مساعدة لبنان على ألا يجد نفسه في الربيع المقبل من دون برلمان صالح ومن دون حكومة ومن دون رئيس».

 

وكان الرئيس المكلف تأليف الحكومة قال أمس في رسالة الى اللبنانيين لمناسبة عيد الميلاد، إن الأزمة في البلاد باتت تشكل تهديداً حقيقياً لسلمنا ولاستقرارنا ولنسيجنا الاجتماعي، وحاضرنا لا يجوز أن يبقى أسير منطق العجز والفراغ. واعتبر أن «تعطيل المؤسسات خراب للبلد والمخرج بالعودة الى الدستور من دون مؤثرات أخرى».

 

وكان اجتماع سليمان مع رعد بحث التأزم السياسي في البلاد وضرورة تشكيل حكومة في سرعة للخروج من الدوامة الحالية، وقالت مصادر رسمية إن نقاشاً هادئاً حصل بينهما عكس رغبتهما، وخصوصاً من جانب «حزب الله» بالحفاظ على الصلة وإبقاء التواصل قائماً. وأشارت المصادر الى ان الجانبين عرضا وجهتي نظريهما في جو «ودي وصريح وهادئ» ومن دون تشنج، فكرر كل منهما ما سبق أن تبلغه من الجانب الآخر عبر الرسائل المباشرة وغير المباشرة. وشرح سليمان مبررات قيام حكومة في أسرع وقت لأن المهل استنفدت والرئيس سلام يتعرض لضغوط من أجل التأليف، والبلد لا يحتمل المزيد من التأجيل مع الاستحقاقات المقبلة عليه مطلع السنة، إلا بتأليف حكومة جديدة. ودعا رعد الى التروي في التأليف، معتبراً أنه من الأفضل أن تكون الحكومة «جامعة»، فرد سليمان مؤكداً أنه لو أراد فرض حكومة، كما يقال، لفعل ذلك منذ الأسبوعين الأولين لتكليف سلام «لكني لم أرِد ذلك من دون الأخذ في الاعتبار كل المكونات السياسية في البلد». وأضاف: «إذا استحال تأليف الحكومة الجامعة نتيجة المواقف والشروط المتقابلة ماذا نفعل؟». ورأى رعد ان البلد يمر بمخاطر ويحتاج الى حكومة وحدة وطنية وهذا أفضل فنمرر الأمر بسلاسة ونصل الى انتخابات الرئاسة بهدوء».

 

وأوضحت المصادر الرسمية أن النقاش تطرق الى الحملات على رئيس الجمهورية من قوى 8 آذار واتهامه بالانحياز الى وجهة نظر قوى 14 آذار فرد سليمان: «أنا أقوم باللازم وضميري مرتاح. أين انحزت؟ ألم أحمِ المقاومة خلال السنوات الخمس الماضية؟ ألم يحصل اختلاف بيني وبين 14 آذار في محطات عدة تعرفونها أنتم؟ ألم يأخذوا علي ويغضبوا لأني أجّلت الاستشارات النيابية بعد اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري؟ ولو كنت منحازاً لكنا ركّبنا حكومة جديدة منذ البداية. والموضوع بالنسبة إليّ ليس موضوع موازين قوى بل سعي لاستيعاب الجميع».

 

وأضاف: «الخلاف على الأزمة السورية طرأ بفعل تغيير موقفكم، أنا لم أغير بقيت أردد رفض التدخل والنأي بالنفس. وأطالب بالحل السياسي فيها. أنتم غيرتم وذهبتم تقاتلون هناك. وعندها شرحت لكم مخاطر التدخل الكبيرة». وشرح رعد وجهة نظر الحزب بأنه اضطر الى الخطوة لمنع التكفيريين من الانتقال الى لبنان ولو لم نفعل لكانت السيارات المفخخة عندنا أكثر مما نشهده.

 

وشرح سليمان موقفه بالرد على الحملة التي شنها الحزب ضد المملكة العربية السعودية مؤكداً أنه يحمي بذلك مصالح لبنان، وقال: «اتهام السعودية بأنها تتدخل في تشكيل الحكومة أستطيع أن أجزم حياله أن البحث لم يتناول هذا الموضوع مع المسؤولين السعوديين، لا هم طرحوه ولا أنا طرحته».

 

وانتهى اللقاء بالتأكيد على استمرار التواصل، فيما قال رعد للرئيس اللبناني: «نحن نتفهم موقعك وموقفك».

 

وعلمت «الحياة» أن سليمان يجري اتصالات مع الأمم المتحدة والمجموعة الدولية لدعم لبنان تحضيراً لمسعى دولي يساند لبنان يفترض ان يتبلور قبل منتصف الشهر المقبل.

 

وفيما يغادر سليمان لبنان لتمضية عطلة الأعياد في الخارج مساء الأحد المقبل، قال في تصريح لـ «وكالة الأنباء المركزية» أمس، إنه سيلتقي مراسلي الصحف في اليوم نفسه ويجيب عن كل تساؤلاتهم، مع جردة لما تحقق خلال ولايته وحديث عما تبقى منها وهي مهمة نظراً الى تطورات المنطقة والاستحقاقات المرتقبة خصوصاً الانتخابات الرئاسية واحترام المهل الدستورية منعاً للفراغ، على أن يسبقها تشكيل حكومة يشارك فيها الجميع لتتحمل القوى كافة المسؤولية.

 

وأكد سليمان أن «لا كلام في تمديد ولايته ولا اتجاه لتجديدها»، فهو أعلن مراراً وتكراراً ولا ينفك يؤكد ويجزم أنه ليس في هذا الوارد، وتسنى لكل من زار بعبدا أخيراً الاستماع الى هذا الموقف الذي ضمّنه في أكثر من خطاب انطلاقاً من احترامه الدستور ونصوصه. «وعلى رغم ذلك ما زال يحلو للبعض استخدامه في سوق البازار السياسي كورقة ابتزاز ستثبت الأيام مدى هشاشتها وعدم صلتها بالواقع». ويستغرب رئيس الجمهورية «إصرار بعض الأطراف على استغلال هذه الورقة وكأنهم لم يتعودوا على الكلام المباشر والصريح والمنطق الواضح». وتمنى «لو أن هؤلاء الذين لا ينفكون يستهدفون موقع الرئاسة والرئيس ويصوبون نحوه من زاوية التمديد، يعلمون مدى الجهود التي يبذلها لتوفير ظروف انتخاب رئيس جديد، وما قاله للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في هذا الخصوص في اتصاله الأخير به، لكانوا سلموا للحقائق وثبت لهم اليقين أن لا رغبة لديه بالتمديد وكل ما يشاع ويسرب يومياً في هذا الخصوص لا يعدو كونه تلفيقات اعلامية».

 

وأكد سليمان لـ «المركزية» أنه سيفسح المجال أمام مختلف القوى للتشاور وصولاً الى التوافق. وشدد على أن هذه القوى «بطروحاتها ومواقفها توفر المواد السياسية لخطاباته وتضطره في معظم الأحيان الى تضمينها الرد المناسب لتأكيد الثوابت لأن كل ما يقوله ويفكر فيه ينطلق فقط من المصلحة الوطنية العليا، وفي مطلق الأحوال فإن الانتقادات توجه الى من يعمل، علماً أن الكثيرين يعلنون شيئاً ويفعلون عكسه».

 

ووصف ما جرى في مؤتمر نيويورك لدعم لبنان (انعقد في 25 أيلول/ سبتمبر) بأنه «بالغ الأهمية وان نسبة الخسائر التي أقر بها المجتمع الدولي للبنان جراء أزمة النزوح والبالغة 7 بلايين ونصف بليون دولار هي بمثابة شيك في يد لبنان بعدما اعترفت الدول المشاركة بالأضرار وتبنى مجلس الأمن رسمياً الخلاصات الأربع المتمثلة بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للبنان وتقديم المساعدات لتمكينه من مواجهة أزمة النزوح في 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، وهي باتت وثيقة يمكن الاستناد اليها دولياً».

 

وختم بالتأكيد ان مؤتمر جنيف 2 سيعقد في موعده في 22 كانون الثاني (يناير) المقبل بمشاركة 37 دولة «على أن يشارك لبنان بوفد انطلاقاً من ثوابته المعلنة في ما خص أزمة سورية والمتمثلة بتأييد الحل السياسي».

 

السابق
المعارضة السودانية ترفض المشاركة في الانتخابات المقبلة
التالي
مصر ترحّب بـ «جنيف 2» لتطبيق «جنيف 1»