تأفّف من عمالة النازحين السوريين في النبطية

"هل أنت في سوريا؟"، يسأل أهل منطقة النبطية. سؤال قد يبدو عنصريا، لكنّه وليد حرقة من اكتساح العمال السوريين، النازحين حديثا، سوق العمل، بأجور لا يقبل بها اللبناني. والنكتة هي التالي: شام النبطية، حلب كفررمان، دير الزور الدوير، البويطية انصار، لاذقية كفرصير.. مع أكثر من 30 ألف نازح سوري في الجنوب. لكنّ رئيس جمعية تجار النبطية وسيم بدر الدين ريؤكد أن "لا ضغط إقتصادي ولا حتى منافسة في النبطية بل تأثيرها مازال محدودا بالنظر الى البقاع وعكار وغيرها".

كيف تمكن السوري من إزاحة أزمته جانباً والإنطلاق برص صفوف حياته من جديد؟ وما مدى تأثير تمدده على العامل اللبناني وتحديدا العاملات، وكيف ينظر اللبناني الى هذه الصورة؟
يحاول البعض ان “يفكفك” الازمة علّه يرسى على برها ليقرأ بصواب، البعض يراها معقدة وقد تسلب اللبناني جزءاً من إستقراره الإقتصادي والإجتماعي والصحي، البعض الأخر ينظر اليها بإيجابية إذ يرى أنها تحرك الركود الإقتصادي.
يخشى مروان، وهو شاب نبطاني عشريني، أن يتحول اللبناني الى لاجئ واللاجئ الى مواطن عادي، وبالتالي فإننا سنقف أمام منعطف خطير. فماذا لو تفاقمت الازمة السورية اكثر وتعاظم وجود السوريين في لبنان هل سيتسع الوطن للجميع؟ ثم يردف: لقد سلب السوري كل المقدرات الحياتية، اخذ المنازل، الأعمال، كل شيء حتى أنك حين تخرج الى الشارع “تتعركش” بحراكهم الذي لا يهدأ، والأنكى من ذلك، أنهم ورغم كل التقديمات التي تصلهم يتسولون في الشارع، يعملون في المنازل، يشتغلون في أي شيء كان حتى تحول عمال المحال التجارية في مدينة النبطية الى سوريات وسوريين فقط.
بات في حكم المؤكد أن النبطية تعيش أزمة نزوح ولكن لا أحد يعترف بها. فبحسب أحد المتابعين للملف السوري فإنّ “الوجود السوري حرّك عجلة الإقتصاد الراكدة، وخلق منافسة في اليد العاملة السورية التي أتت لصالح التاجر والمتعهد”.
تقف فاطمة، المرأة الثلاثينية، أمام منزلها في كفررمان. تنظر حولها، كلها منازل مؤجّرة لعائلات سورية: “سرقوا كل شيء”، تقول بحرقة، وتضيف: “السوريات يعملن في التنظيفات والحرفيات، لا يعصى عليهن شيء المهم أن يؤمنّ رزقهنّ حتى أنهن قد ينافسن السريلانكيات في وظائفهن”.
خلّف الوجود السوري في الجنوب شرخاً في البنية الأجتماعية والإقتصادية لا يدرك أحد حجمها بل بحسب ما يشير رئيس تجار النبطية وسيم بدر الدين في حديث لـ”جنوبية”: “لا يوجد تأثير سلبي للوجود السوري على العكس إنهم يتنافسون في بينهم في اليد العاملة وهم يستهلكون. فقط التأثير السلبي يترسخ في عمل السوريات في المحال وغيرها لا أثر”.
غير أن للباحث الاجتماعي الدكتور هاشم بدر الدين رأي مناقض تماما فهو يرى أنّه “للأزمة السورية وجهها السلبي المترتب بأزمة بطالة تصاعدية بين اللبنانيين ومنافسة في اليد العاملة السورية التي خفّضت كلفة اليد الى الحد الأدنى، فالعامل السوري كان يتقاضى 50 ألف ليرة يومياً واليوم وصلت يوميته الى 20 ألف ومادون لأنهم يسعون الى العمل اليومي”.
في أحد محال الميكانيك يعمل مشلب إبن الأحد عشر ربيعاً، يحاول أن يساعد والدته وأخواته الخمسة، ترك المدرسة. وجهه ملطخ بالشحم، يحمل قطعة حديد أثقل من جسده الصغير بيومية لا تتعدى العشرة ألاف ليرة.
مشلب هو واحد من عشرات الأطفال السوريين، الذين يعملون بمهن لا تليق بأعمارهم، لكنّ الظروف فرضت عليهم: “أبي توفي في سورية ولا معيل لنا ويجب أن أساعد أمي والمدرسة أتابعها حين نعود الى سوريا”.
هم ليسوا وحوشا إذا، بل ضحايا تركوا بلادهم ولا يريدون غير اللقمة بكرامة، إذا أمكن. لكنّ الوجود السوري خلّف قلقا لدى اللبناني الذي “تحول الى لاجئ في وطنه”، كما يقول أهل قرى النبطية.
هنا يقول بدر الدين “نحن مقبلون على ازمة خطيرة جدا فالمساعدات تشح رويدا، وبالتالي سيقف النازح بين كفي كماشة القدر. إما اللجوء الى التسول كما يحصل اليوم حيث تتوسع رقعتهم بين شبان ونساء وكبار سن وحتى أطفال، وإما السرقة والجوع أي أننا أمام أزمة إقتصادية خطيرة تلوح في الأفق”.
أكثر من ثلث السكان في المنطقة سوريون. كل المنازل والشقق والمحال الفارغة أضحت مسكونة، وبالتالي بتنا أمام ازمة اخرى خلفتها الأزمة السورية أزمة مياه، كهرباء، ضغط على شبكة الصرف الصحي، يقول بدر الدين: “قبل الأزمة في 2011 المنشآت التحتية لم تكن تلبي احتياجات اللبنانين فكيف مع السوريين؟ هناك اكثر من مليون و300 ألف نازح رسمي عدا غير المسجل وأكثر من 100 ألف طالب أي أننا امام واقع إنساني أكثر من خطير في لبنان بشكل عام”.
في السوق التجارية في مدينة النبطية سيطرت العاملات السوريات على الاعمال “كسحو المنطقة” بتعبير أحدهم: “سعرهم ارخص ولا يتطلبون”، يقول صاحب أحد المحال.
فاطمة تركت عملها كبائعة “لان صاحب المحل يريد خفض راتبي من 400 الى 200 ألف ليرو بحجة: ما في سوق”. وبعد اسبوع دخلت المحل لأجد سوريتين تعملان مكاني”. وليس حال فدوى التي عملت لأكثر من عشر سنوات في أحد المحال أفضل.
يقول محمد ضرغام صاحب محل تجاري ان “اللبنانية متطلبة تريد ضمان وتحسين المعاش وما في سوق فعلا. فيما السورية كالطابة تعمل دون تأفف وترضى براتي 100 و200 ألف ليرة لبنانية فقط”.
غير أن لرئيس جمعية تجار النبطية وسيم بدر الدين رأياً مغايراً إذ يؤكد أن “لا ضغط إقتصادي ولا حتى منافسة في النبطية بل تأثيرها مازال محدودا بالنظر الى البقاع وعكار وغيرها من مناطق النزوح”، إلا أنه يشير الى أن التأثير الأقوى يتركز في المنافسةعلى مهنة البائعات في المحال التجارية” لا أكثر.

السابق
القادري: حادث الصويري مشبوه.. والفتنة لن تمر في منطقتنا
التالي
مصرع موظف في كهرباء النبطية