الانتشار الكبير لـ«حزب الله»؟

في 18 تموز/يوليو 2012، انفجرت قنبلة في إحدى الحافلات السبعة المرافقة لمجموعة من الإسرائيليين الذين كانوا قد وصلوا لتوهم إلى بورغاس – بلغاريا، للاستمتاع بإجازة مترفة. وقد أدى الانفجار إلى مقتل سائق الحافلة البلغاري وخمسة إسرائيليين فضلاً عن إصابة 30 آخرين. ولم يلفت انتباه أي من المسافرين في المجموعة الكبيرة انضمام رجل قوقازي إلى الحشد في صالة المطار وكان يرتدي بنطالون برمودة وتي شيرت وقبعة بيسبول ونظارات ويحمل حقيبة ظهر وسار معهم إلى الحافلات.

وفي ذلك الوقت، كان ذلك الرجل يرتدي شعر مستعار [باروكة] طويلة وشقراء اللون، لكن موظف الإيجارات تعرف عليه من خلال فيديو مراقبة حيث تذكر أنه كان يتحدث الإنجليزية بلكنة عربية، وكان شعره قصير ويحمل رزمة أموال فئة 500 يورو، وبدا منزعجاً عندما قام باستئجار سيارة.

وبعد ستة أشهر من التحقيقات، اكتشفت السلطات البلغارية أن رعاة الشخص الكندي المسؤول عن التفجير كانا مواطناً كندياً يبلغ من العمر 25 عاماً يدعى حسن الحاج حسن ومواطناً أسترالياً يدعى ميلاد فرح ويعرف أيضاً باسم حسين حسين ويبلغ من العمر 32 عاماً. وقد أفادت التقارير أن كليهما عاد هارباً إلى لبنان عقب التفجير في بلغاريا وهناك مزاعم باختفائهما في جنوب لبنان. وهما الآن يخضعان للمحاكمة (غيابياً) في بلغاريا عن ضلوعهما المشتبه فيه في التفجير؛ وكلاهما من أصل لبناني وأعضاء في المنظمة الإرهابية «حزب الله».

ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، وقع الاختيار جزئياً على الشخص الذي قام بالتفجير في بورغاس – والذي لا تُعرف هويته الكاملة بعد لكنه كان على علاقة بمتآمر كندي شاركه في العملية وفقاً لما أثبتته اختبارات الحمض النووي – لأنه لم يكن لبنانياً “من أجل تجنب أي شكوك”.

العملاء الأجانب

إن تجنيد «حزب الله» لعملاء يحملون الجنسية المزدوجة واستخدامهم لتنفيذ هجمات لا يقتصر على الرجال الذين تورطوا في تفجير بورغاس. بل إن ذلك يناسب في الواقع نمط «حزب الله» الذي استخدمه مراراً وتكراراً والقائم على تجنيد عملاء ذوي ملامح غربية ويحملون جنسيات وجوازات سفر غربية ومن ثم استخدامهم لتنفيذ عملياته في الخارج.

وقد اعتقلت الشرطة التايلاندية في كانون الثاني/يناير 2012 عميل كهذا يدعى حسين عتريس، وهو مواطن يحمل الجنسيتين السويدية واللبنانية وجواز سفر سويدي كان يحاول الهروب من البلاد. وقد تكهن المسؤولون الاستخباراتيون أن «حزب الله» يستخدم تايلاند كمحور للعمليات التفجيرية وقرر استخدام عملائه والمواد المتاحة لاستهداف السياح الإسرائيليين – وفي هذا الصدد يجدر بالذكر أن عتريس كان قد استأجر منشأة تخزين في العام السابق. ومنذ ذلك الحين حكمت عليه السلطات التايلاندية بالسجن جراء حيازته لمواد متفجرة.

لكن عتريس ما هو إلا مثال حديث على عملاء «حزب الله» الناشطين في جنوب شرق آسيا ويُلقى القبض عليهم هناك، وهي منطقة تُعرف بنشاطاتهم فيها خلال العقود القليلة الماضية.

وفي صباح يوم 11 آذار/مارس 1994، اصطدمت شاحنة خارجة من مرآب تحت الأرض تابع لمتجر كبير بدراجة أجرة نارية في منطقة لومبيني ببانكوك. وقد أحبط سائق الدراجة النارية دون أن يدري هجوماً انتحارياً على السفارة الإسرائيلية على بعد 240 متر فقط. بيد أنه لم يتم اكتشاف ذلك الأمر إلا بعد خمس سنوات، عقب اعتقال باندو يودهاويناتا، وهو رجل من أصل إندونيسي، وقد اكتُشف بأن ذلك كان هجوماً من قبل «حزب الله» استغرق الإعداد له نحو عام.

ويمكن إرجاع تورط باندو مع «حزب الله» إلى أوائل عام 1981، عندما طُرد من الجامعة بسبب نشاطه الإسلامي في إندونيسيا وفراره هارباً إلى إيران. وقد تلقى تدريباً عسكرياً وأيديولوجيا ولغوياً على مدار عامين قبل إعادته إلى إندونيسيا للمشاركة في النشاط والمظاهرات الرئيسية ضد الحكومة الإندونيسية. وقد اعترف باندو للسلطات الفلبينية أنه تم تجنيده من قبل المخابرات الإيرانية وعمل لصالحها في ماليزيا، قبل أن يجنده «حزب الله».

وفي ذلك الحين بدأ العمل لصالح رجل يحمل أسماء عديدة، من بينها أبو الفول، الذي حددت المخابرات الفلبينية هويته بأنه “زعيم [منظمة] الجهاد الإسلامي، وهي وحدة هجمات خاصة لـ «حزب الله» في جنوب شرق آسيا”. وسرعان ما اكتشف المحققون المزيد من المخططات في خزانة باندو، من بينها خيوط اتصال لسلسلة من الهجمات التفجيرية خلال الفترة 1985-1987.

أهداف في جنوب شرق آسيا

كشف اعتقال باندو عن المزيد من خطط «حزب الله» في جنوب شرق آسيا. وقد أُطلق عليها “خطط الطوارئ الخمسة”، التي شملت مخططاً لتفجير بحري يستهدف سفن البحرية الأمريكية وسفناً تجارية إسرائيلية راسية في سنغافورة أو مبحرة عبر مضيق ملقا. وقد قرر المحققون في سنغافورة أن “الخطة كانت تقوم على استخدام قارب صغير محمل بالمتفجرات ودفعه للاصطدام بالسفينة المستهدفة”.

وقد حصل «حزب الله» على جوازات سفر مزورة في الفلبين لمجموعة من المجندين الإندونيسيين الذين خطط لتسللهم إلى إسرائيل من خلال السفر عبر أستراليا، لكن اعتقال باندو كشف عن ذلك المخطط. وقد شملت خطة أخرى إرسال عملاء إلى أستراليا حيث ساد اعتقاد خاطئ بأنهم قد يحصلون على جوازات سفر أسترالية شرعية على أمل أن يظهروا أقل إثارة للشك والريبة عند السفر باستخدام وثائق من دولة غربية صديقة لإسرائيل. كما تضمنت الخطة إرسال ثلاثة أعضاء إندونيسيين إلى أستراليا لتنفيذ هجوم افتراضي – لم يتم القيام به مطلقاً – ضد أهداف أمريكية ويهودية خلال دورة الالعاب الاولمبية عام 2000.

إن «حزب الله» غارق حالياً في أوحال سوريا حيث تكبد خسائر فادحة جراء قتاله إلى جانب نظام الأسد. ورغم أن معظم المقاتلين الأجانب الذاهبين للقتال في سوريا هم من السنة الذين يقاتلون «حزب الله»، إلا أن عدداً صغيراً من الأجانب ذهبوا للقتال إلى جانب «حزب الله»، ومن بينهم أسترالي واحد على الأقل وفقاَ لما أفادت به التقارير. وهذا يمثل تصعيداً كبيراً يتجاوز حملات جمع التبرعات التقليدية وجهود المشتريات لـ «حزب الله» في أستراليا.

وفي غضون ذلك، يواصل «حزب الله» الانخراط في عمليات إرهابية في جميع أنحاء العالم بوتيرة غير مسبوقة منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وقد أوضح حسام يعقوب، وهو عميل سويدي لـ «حزب الله» قابع في السجن حالياً قام بتنفيذ عمليات مراقبة للسياح الإسرائيليين الوافدين إلى قبرص، بصورة هادئة لضابط شرطة قبرصي أن أفعاله كانت من الممارسات التقليدية لـ «حزب الله»، وليست أعمالاً إرهابية. وقال “لا أرى أن المهام التي نفذتها في قبرص كانت مرتبطة بالتحضير لهجوم إرهابي في قبرص. لقد كنت أقوم فقط بتجميع معلومات عن اليهود، وهذا ما تفعله منظمتي في كل مكان في العالم”.

واليوم، وفي ضوء تجنيد «حزب الله» لعملاء استراليين – لتنفيذ عمليات إرهابية في الخارج أو القتال في سوريا – وأنشطته السابقة والحالية في جنوب شرق آسيا، فقد حان الوقت بأن تقوم الحكومة الأسترالية بتوسيع حظرها للجماعة، الذي يقتصر حالياً على “أجنحتها” العسكرية والإرهابية، ليشمل المنظمة بأسرها – بما في ذلك عملياتها السياسية. وتلك التصنيفات، وفقاً لما وصفه نائب الأمين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم هي فروق زائفة: “ليس لدينا جناح عسكري وجناح سياسي؛ ليس لدينا «حزب الله» في جانب وحزب المقاومة في جانب آخر؟؟. فكل عنصر في «حزب الله» من القادة إلى الأعضاء، فضلاً عن قدراتنا المختلفة، مسخرة في خدمة المقاومة، وأولويتنا هي المقاومة فقط”.

—————————————–

*ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن ومؤلف كتاب “«حزب الله»: البصمة العالمية الواضحة لـ «حزب الله» اللبناني”.

*معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى

السابق
ميقاتي يعلق على رد الصفدي ويؤكد مسار تمويل المحكمة الدولية
التالي
القادري: حادث الصويري مشبوه.. والفتنة لن تمر في منطقتنا