إسرائيل ترسم من طرف واحد حدوداً بحرية مع لبنان

رغم الوساطة الأميركية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، يبدو أن الدولة العبرية قررت ممارسة سياسة فرض الوقائع بالقوة، ومن طرف واحد، عبر محاولة سن قانون الحدود البحرية في الكنيست. ومن الواضح أن مشروع القانون الذي نشرته وزارة العدل الإسرائيلية لتحديد الحدود البحرية الاقتصادية يشكل تصعيدا جديدا في الموقف الإسرائيلي، خصوصا مع لبنان. وقد تحفظت الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من خمس سنوات على مثل هذا القانون لإدراكها أنه يزيد من بؤر التوتر، خصوصا في هذه الأوقات، لذلك فإن إعادة وضعه على الطاولة قد يكون له دخل بالمفاوضات الجارية ونوعا من ورقة ضغط.
ويدرك كل ذي بصيرة أن مناقشة هذا القانون في هذا الوقت بالذات، تأتي لإقناع الشركات المترددة بأن إسرائيل وقوتها تقفان خلف كل امتياز يمنح لهذه الشركات في عرض البحر. ويسري الأمر على وجه الخصوص في المناطق المختلف بشأنها، وخصوصا مع لبنان حيث هناك منطقة بحرية بمساحة 850 كيلو مترا مربعا على شكل مثلث رأسه في الناقورة على الحدود البرية وقاعدته على خط المنتصف مع قبرص. ومعروف أن لبنان أعلن أن قسما من الامتيازات الإسرائيلية البحرية، خصوصا تلك التي أسميت «ألون» و«روت»، تقع فعليا في مياهه الاقتصادية.
وأشارت «يديعوت أحرنوت» إلى أن مشروع قانون «الحدود البحرية» يوضع في الوقت الذي تجري فيه إسرائيل ولبنان اتصالات عبر الأمم المتحدة لحل الخلاف حول هذه الحدود و«قررت إسرائيل فرض وقائع على الأرض وأن ترسم لوحدها الحدود البحرية مع الجارة الشمالية من طرف واحد». ولاحظت أن «عدم الاتفاق على الحدود قد يوتر الوضع في البحر المتوسط». وأضافت أنه «بعد تأجيل لسنوات نشرت وزارة العدل مشروع قانون يحدد حدود المياة الاقتصادية لإسرائيل. ويفترض بمشروع القانون أن يحدد المناطق في البحر التي لإسرائيل حق حصري في التنقيب عن الغاز والنفط والموارد الطبيعية الأخرى».
وقد دارت في السنوات الأخيرة اتصالات بوساطة أميركية، وتحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى ترسيم للحدود البحرية وحل الخلاف. وأكدت «يديعوت» أن المعنى الحقيقي لمشروع القانون هو أن «إسرائيل لم تتوصل لاتفاق مع لبنان»، ولذلك فإنها «ترسم منطقتها الاقتصادية الحصرية من طرف واحد». وينوون إضافة نقطة العلام الحدودية في اللحظة الأخيرة، قبيل إقرار المشروع في الحكومة، بل جاء في مشروع القانون أنه إذا لم يتم الاتفاق فإن «الأمر سيشار له في الخرائط».
وقد بدأت قصة مشروع القانون هذا مؤخرا عبر نشر وزارة العدل الإسرائيلية يوم الثلاثاء الفائت مذكرة حول قانون «المنطقة الاقتصادية الحصرية» الذي يغطي عمقا بحريا مبدئيا طوله 200 ميل (370 كيلو مترا) من الشاطئ. وجرى الإعلان عن المذكرة بهدف اجتذاب الملاحظات والآراء، لكن يصعب تجاهل أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية. فالمذكرة ترمي إلى تحديد الإطار القانوني للنشاطات الاقتصادية التي ترعاها الدولة العبرية في عمق البحر المتوسط، خصوصا التنقيب عن الغاز والنفط.
وتقرر المذكرة أنه في حال تحولها إلى قانون ملزم يتضح بشكل واضح ونهائي سريان القانون الإسرائيلي على المناطق البحرية الواقعة في المنطقة الاقتصادية الحصرية. وتشير المذكرة إلى أن القانون المقترح يحدد أن المسافة عن الشاطئ تحدد بأسلوب رسم الخطوط بين النقاط وليس بمسافة دقيقة عن كل نقطة على الشاطئ. وتضيف أن القانون يأتي للمساعدة في الحفاظ على مصالح الجمهور الإسرائيلي العامة، فضلا عن أنه يرسخ سلطة القانون الإسرائيلي على القطاع الاقتصادي العامل في هذه المناطق البحرية. وتميز المذكرة بين أصناف المناطق المختلفة المحاذية للشاطئ الإسرائيلي وطبيعة الحقوق والصلاحيات السارية فيها، وخصوصا بين مناطق المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الحصرية. وهي تقسم المناطق البحرية إلى أربع مناطق هي منطقة الساحل، المياه الداخلية، المياه القريبة والمنطقة الاقتصادية الحصرية. وتحدد المذكرة ماهية حقوق وصلاحيات الدولة العبرية في هذه المناطق وما هي القوانين الإسرائيلية السارية هناك والتمييز بين المنشآت المؤقتة والمنشآت الثابتة التي لإسرائيل مصلحة في حمايتها. ولا يقل أهمية عن ذلك أن القانون يرسخ بشكل نهائي ما يعتبره حق إسرائيل في الموارد المكتشفة في هذه المناطق واعتبارها «أملاك دولة» مما يجعل كل تصرف بها خاضع لإمرة الحكومة الإسرائيلية أو من تفوضه بذلك.
ومن المعلوم أن إسرائيل لم توقع سوى اتفاق واحد مع الجمهورية القبرصية لتقاسم المنطقة الاقتصادية الحصرية، وتطالب المذكرة بتضمين القانون هذا الاتفاق. وتستند إسرائيل إلى الاتفاق المبرم مع قبرص في ادعائها بخط الحدود البحرية مع لبنان، خصوصا أن هناك اتفاقاً بين قبرص ولبنان رغم أن مجلس النواب اللبناني لم يصادق عليه. وإسرائيل على خلاف تقريبا مع كل الدول والكيانات التي تحاذيها، وخصوصا مع لبنان. ولكن إسرائيل على خلاف غير معلن أيضا مع كل من مصر والسلطة الفلسطينية بشأن المنطقة الاقتصادية الحصرية.
وتزعم المذكرة أن مشروع القانون يستند إلى القانون الدولي الذي ينظم تقاسم المياه الاقتصادية التي تستغل ليس فقط للتنقيب عن الغاز والنفط وإنما أيضا للصيد ولانتاج الطاقة من أمواج البحر والرياح. كما تستند إلى قانون البحار الذي لم توقع إسرائيل على معاهدته ولم تصادق عليه. ولاحظ خبراء أن مشروع القانون لا يستند إلى معاهدة الجرف القاري التي وقعتها إسرائيل، بدعوى أن بنودها متضمنة في تعليمات قانون البحار.
وكان وزير العدل الإسرائيلي الأسبق المحامي موشي شاحال والذي يعمل محاميا لشركات انتاج الغاز قد قدم قبل سنوات رأيا للحكومة يقول بأنه «في الوضع الجيوسياسي القائم، كل محاولة للإعلان عن حدود دولة إسرائيل أو عن مناطق لدولة إسرائيل حقوق فيها، بغض النظر عن المكان، سيقود بالضرورة إلى اعتراضات من جانب دول مجاورة، خصوصا في ضوء المصالح الاقتصادية المجسدة في المناطق المعنية». واعتبر أن «أي اعتراض تثيره دولة مجاورة بشأن الحدود البحرية التي ستعلنها دولة إسرائيل في القانون المشار إليه، سيجبر دولة إسرائيل، وفق المعاهدات الدولية، على التداول أمام المؤسسات الدولية التي ستحسم في الأمر». وأضاف أن «موضوع حدود إسرائيل في البحر سيتحول فورا إلى مشكلة دولية، والتجربة تثبت أنه في كل ما يتصل بالمؤسسات الدولية إسرائيل خاسرة».

السابق
شبعا: المهجورة من الوطن كما يهاجر الزوج زوجه
التالي
العملية في محيط صيدا: هل دخل الجيش الحرب على الإرهاب؟