مؤتمر «جنيف – 2» قد لا يُعقَد أبداً

هل يتأجّل موعد انعقاد مؤتمر «جنيف – 2» مرة أخرى في ظلّ التعقيدات التي واجهتها حركة الاتصالات الجارية بين القوى المعنية بالتحضير له؟

السؤال طرحَ نفسه بقوّة، أمس، داخل الدوائر السياسية والديبلوماسية في واشنطن، بعد سلسلة الرسائل المباشرة منها وغير المباشرة، التي يبدو أنهّا صوّبت على المؤتمر نفسه.

فالفشل في عقد الاجتماع الأميركي مع ممثلين لـ”الجبهة الإسلامية” التي سيطرت أخيراً على غالبية مناطق الشمال السوري، والتصريحات البريطانية والفرنسية المتضاربة حياله، إضافة الى التصريح الأخير للسفير السعودي في بريطانيا الأمير محمد بن نواف عن خلافات بلاده مع حلفائها الغربيين حول الملف السوري، قد يُجبر المسؤولين الأميركيين المعنيين على إعادة النظر في سياسات واشنطن في هذا المجال.

لقد وجدت السعودية وقوى إقليمية أخرى أنها لم تعد تطمئنّ الى وعود، يتبيّن لها يوماً بعد يوم أنها لا تستطيع أن تؤمّن لها الأمن والاستقرار، وهي لذلك تعلن رسائل واضحة جداً عن اعتراضها على الثمن الذي ستتكبّده من جرّاء تلك السياسة. فالمواجهة الجارية في المنطقة تُظهر أن اللاعبين الذين كانوا يتّكلون على الدعم الأميركي، باتوا يشعرون بأنهم متروكون لقدرهم، في مواجهة العواصف التي تهبّ على المنطقة.

ويسود اعتقاد واسع بأنّ عدم انعقاد اجتماع اسطنبول بين السفير الأميركي روبرت فورد وممثلين لـ”الجبهة الإسلامية”، مثلما كان متوقعاً، هو رسالة اعتراض سعودي، على الأقلّ، وكذلك اعتراض أطراف إقليمية أخرى، خصوصاً أن وسائل الإعلام تحدّثت عن دور تركي مهم في هذا المجال.

ويقول مسؤول أميركي إنّ هناك أكثر من عقدة، تحول صعوبات عدّة من دون حلحلتها، وليس فقط تحديد هوية “المعارضين” السوريين الذين سيحضرون هذا المؤتمر.

فالسعوديّون أبلغوا، عبر قنوات عدّة، أن تحديد قائمة المدعوين مسألة لا يمكن أن تُعالج قبل تحديد موقف واضح من بيان “جنيف 1″، وقصدوا في ذلك إيران وحلفاء إيران قبل أي طرف آخر، ما دام الدور الذي يؤدونه في الحرب السوريّة لا يُمكّن طهران من احتلال موقع المساهِم في صناعة الحل.

ويضيف هذا المسؤول أنّ اعتراض “الجبهة الإسلامية” على عقد “جنيف – 2” يُلقي بظلال كثيفة على نجاح الدعوة الى انعقاده، قبل الحديث عن خروجه بحلّ للأزمة. وعلى رغم محاذرته إعلان موقف حاسم من إمكان فشله، يدعو الى انتظار نتائج اجتماع اليوم بين ممثلين لروسيا والولايات المتحدة الاميركية والأمم المتحدة الذي يفترض أن تُحسم خلاله غالبية الأسماء التي ستوجّه اليها الدعوات الى حضور “حنيف – 2”.

صحيح أن نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف كانت شرحت أسباب عدم انعقاد اللقاء الأميركي مع “الجبهة الاسلامية”، لكنها نَفت نفياً قاطعاً ما نُقل عن لسان المعارضة السورية، بأنها تبلّغت من أوساط غربية أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يبقى في السلطة، أقلّه خلال المرحلة الإنتقالية، مُردّدة أن “لا مكان له في مستقبل سوريا”.

وهذا النفي، لم تؤيّده أوساط المعارضة السورية “المعتدلة” في واشنطن، على رغم أنّ أحد مسؤولي “الائتلاف الوطني” نفى بدوره هذا النبأ الذي نقلته احدى وكالات الأنباء العريقة. وتسأل تلك الأوساط عن سُبل ضمان نجاح مؤتمر “جنيف – 2” في إرغام الأسد على تسليم السلطة، طالما انه لم يُسلّمها لا حرباً ولا سلماً، في ظلّ ميزان القوى الذي تمكّنت طهران بقواها من تعديله لمصلحته. وتقول إنّ النفي الأميركي لاحتمال بقائه مستقبلاً قد يُفهَم أنه أحد المواقف المبدئية الأميركية. لكن السؤال المطروح: كيف يمكن تحقيق ذلك؟

فقوى المعارضة السياسية المعتدلة باتت مكشوفة على نحو غير مسبوق مع تفكّك “الجيش السوري الحر” واضمحلاله، لمصلحة تيارات سياسية طابعها الغالب إسلامي. وسبق لتلك القوى أن أعلنت تحريم المشاركة في “جنيف – 2″، ما دامت لم تُحقِّق توازنها مع النظام. فهل سينجح اجتماع “الإئتلاف الوطني المعارض” في العاشر من الشهر المقبل في الاتفاق على صيغة مقبولة لتشكيل وفد المعارضة؟

سؤال ليس هناك من يجيب عنه بنحو وافٍ، خصوصاً أن مناطق واسعة تسيطر عليها المعارضة، باتت محرّمة حتى على عسكريّيها من غير الإسلاميين، فكيف الحال مع مدنيّيها، بعد تمدّد سيطرة الإسلاميين، ومن بينهم أتباع “القاعدة”؟

وتؤكّد تلك الأوساط أن سياسة “اللاحَسم” التي تمارسها واشنطن، تعكس سياسة مقصودة منها لإغراق الجميع في الوحول التي صنعتها أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين وغير الإقليميين داخل سوريا. غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في أنها تأتي على حساب الشعب السوري ومن حسابه نفسه، هو الذي بات عالقاً بين فكّي كمّاشة، في الوقت الذي تتراجع مواقع المعارضين السوريين الحقيقيين وحظوظهم، والجاري تصفيتهم تباعاً على أيدي النظام وأنواع المعارضات الأخرى.

السابق
الاستماع الى ممثل شركة الخرافي في قضية اللبنانية
التالي
الجولاني الذي لا يمزح