الصورة السوداوية والجدل العقيم

سواء أكان «حزب الله « هو الذي جاء بالتكفيريين الى لبنان من خلال انخراطه في الحرب السورية، أم أن لبنان من الاساس في برنامج التيارات الاسلامية المتشددة قبل الحرب السورية، فإن الأمر سيان. لقد فات الأوان على هذا الجدل البيزنطي العقيم الذي لم يعد له من معنى، بعدما صارت الساحة اللبنانية مرتعا ومسرحا للتكفيريين والجهاديين وتنظيم «القاعدة» و«جبهة النصرة» واخواتها، يمارسون فيه نشاطهم السري والعلني، وينتحرون على اعتاب «حزب الله» وعلى ابواب السفارة الايرانية وعلى حواجز الجيش اللبناني.

بات على اللبنانيين جميعا من الآن وصاعدا تجاوز الماضي والتعاطي مع هذا الواقع بعيدا عن تقاذف الاتهامات، الذي لن يفيد بشيء في دفع المخاطر عن انفسهم جميعا ومن دون استثناء. وقد آن الاوان لهذه «الاسطوانة المشروخة» ان تتوقف عن الدوران لجهة تحميل هذا الفريق او ذاك مسؤولية الارهاب الذي استشرى في الآونة الأخيرة، وأغلب الظن أنه مستمر بقدرة قادر.

أصبح واضحا ان ما يدور في سوريا اليوم قد خرج عن اطاره المحلي الصرف، وتحول الى صراع اقليمي دولي كبير. ومن يتصرف على اساس ان هذا الصراع لا يزال بين نظام ومعارضة من اجل الديموقراطية والاصلاح، فإنما يعيش في بحر من الأوهام الفارغة دفعته في السابق الى الاعتقاد بأن النظام سيسقط ويتهاوى خلال اسابيع قليلة، وأن لبنان سيبقى بمنأى عن النار السورية وسيكون لقمة سائغة في حلق فريق معين ورعاته الاقليميين والدوليين.

أخطأ «حزب الله» أو أصاب بانخراطه في الازمة السورية، فهذا ليس بيت القصيد اليوم. وسواء انسحب من سوريا ام لم ينسحب، فإن الواقع اللبناني تجاوز هذه «المندبة السياسية» التي تربط بين وجود الحزب في سوريا والحوادث الأمنية المتكررة على الساحة اللبنانية.

شاء من شاء وأبى من أبى، صار لبنان جزءا اساسيا من الحرب السورية الكبرى، ولن تصطلح احواله ما دامت هذه الحرب قائمة. وعلى اللبنانيين جميعا ان يوطنوا أنفسهم على هذا الواقع المؤسف، وعلى قاعدة «اللهم إنّا لا نسألك رد القضاء، لكن نسألك اللطف فيه».

هذه الصورة السوداوية ليست من باب التنظير والتحليل. ثمة واقع يفترض الاعتراف به، لكن ليس بالضرورة الرضوخ له. فالارهاب سيف ذو حدين، والدم يستجلب الدم، وواهم من يعتقد من اللبنانيين أنه سيكون بمنأى عن هذا الواقع المر، لأن الزمام قد يفلت من ايدي القوى التي تعتقد انها قادرة على الضبط والربط. وثمة بعد نافذة ضوء يمكن من خلالها تلطيف القدر المحتوم بانتظارالانفراج الشامل الذي يعول عليه لاستعادة الاستقرار في المنطقة بما ينعكس ايجابا على لبنان.

يجمع «الراسخون في العلم» على ان الاشهر المقبلة دقيقة وصعبة وخطيرة، وأن الدوران اللبناني في الفراغ لن يقدم أو يؤخر في معطيات الأزمة السورية، وأن ضرب الرؤوس في الجدران لن يهدم حائطا واحدا. وعليه فإن الرهانات الخاطئة ستودي بالجميع الى ما هو أخطر وأدهى. وما يجب ان يكون يعرفه الفاعلون جيدا من دون الحاجة الى مواعظ ودروس ونصائح، والسلام على من اتبع الهدى.

السابق
الجيش يستخدم طائرات رصد
التالي
ضحايا الأسد.. والتخاذل الدولي