دلال البزري: شغف الجنوبيات بدّده الجوّ الجديد

"علاقتي الوحيدة بالجنوب هي قبر أمي في صيدا". بأسف تقول دلال البزري ما تقوله. هي التي تعتبر أنّ " نساء الجنوب شغوفات بالحياة وأن مثلهنّ"، تعتبر أنّ "هذا الشغف تبدد قليلا مع هيمنة جو معين على الطائفة الشيعية". إنّها ابنة مدينة صيدا عاصمة الجنوب، الدكتورة دلال البزري. فماذا قالت لـ"جنوبية"؟

بعد سنوات وسنوات من التمرد على المجتمع ليست حزينة، ابنة منظمة العمل الشيوعي، الا على بضعة تجاعيد قد تضاف الى وجهها. سيرتها من منظمة العمل الشيوعي الى العمل النسوي الى الجامعة ومنها الى الابحاث والكتابات الصحافية، وسيرة بحثها الآن عن التصوّف وعن الله في داخلها. هي المتمردة المطرودة مرات ومرات من هيئات منظمة العمل الشيوعي اللبناني…

علاقتك بصيدا كيف تصفينها؟ خصوصا في ظل تغير وجهها من صيدا معروف سعد وعدنان الزيباوي و.. الى صيدا الشيخ أحمد الاسير؟

كلما اقصد صيدا تحضرني صورتها القديمة. رغم اني ازورها في الاعياد والافراح. أقول إنّ التشوه لم يدخل فقط الى الجانب السياسي والفكري بل وصل الى التشوه العمراني. صحيح اني اعرف قانا، بلدة والدتي الراحلة، وحداثة، بلدة اقربائي، الا ان صيدا هي مرتع الذكريات. وكنت اقصد حداثة ولي ذكريات مع نسائها. وان كان لا علاقة لي مع احد في الجنوب سوى قبر امي في صيدا التي اكدت على زيارتها بعد رحيلها. الا اني احب الجنوب لأنّ فيه شيء من حالي اكثر من اي منطقة اخرى.

هل يعني لك الجنوب كمنطقة شيئا ما؟ وكيف تنظرين الى حال نسائه اليوم؟

نساء  الجنوب قويات وذكيات وشغوفات بالحياة وعندهن الحرية التي تتمتع بها الناس في الاطراف، لكن هذا تبدد قليلا مع هيمنة جو معين على الطائفة الشيعية.

كتبت عن الراحلة زهوة مجذوب سيرة مختصرة وكان النص لافتا. هل كانت المرشدة الروحية لك بحق؟

لا. ليس لدي مرشدين روحين ولا ماديين.  زعلت عليها كثيرا لما توفت وأرجعتني الى مكان لا يشبه موتها. كانت منفتحة ومتعالية على الحياة ومتحررة وعندها جانب كان  جديدا  وكانت قادرة ان تقف امام الرجال. لو سألتني في البداية هذا السؤال، اي منذ 20 سنة، كنت سأقول اني كنت اكره الطائفية. والحقيقة ليس هذا هو الجواب الحقيقي بل انّ دخولي المنظمة هو التقاء في سياق رأيت أنّه كان قادرا ان يفجّر في داخلي أشياء لم اكن لاجدها في مكان ثان حينها، عنيت فورة الشباب. كانت التظاهرات والكفّييات والحياة هي الثورة الداخلية التي وجدتها هناك. وكان موجودا لدي هذا الغليان. وكان السياق موجودا داخلي واليسار فجّر ما كان داخلي. ولم أعِش كثيرا  بهدوء هذا التيار الجارف. السياق هو ما يدخل الناس الى المنظمات والديناميكية. منذ صغري اكره الظلم  وشعرت حينها ان هذه المنظمة هي التي ستحقق لي ما اريد.

عرف عنك التمرد خلال ايام الجامعة، وخلال مسيرتك مع منظمة العمل الشيوعي. كيف تنظرين الى تلك المرحلة الان. أبعين الناقدة ام بعين الرضا؟

ضربت الرقم القياسي بالطرد من الهيئات  داخل المنظمة. ولما كلفت بالتحقيق عن مجموعة منتفضين داخل احدى الهيئات التنظيمية كتبت تقريرا انهم محقون بتمردهم. فثارت ثائرة المعني بذلك. كانت هذه المرحلة هي مرحلة ارى فيها اننا على حق ومن الناس المتأكدين من افكارهم ولا نقاش عليها. وكتبت عن المرحلة السابقة ولكن لن اكتب عن الصورة المماثلة التي نمر بها الآن في لبنان لاني ارى ان من يكتب لا ينتقد. فعندما كتبت عن وداد شختورة وقلت انها الشخص الوحيد الذي انتخبته داخل المنظمة عاتبني احد المسؤولين قائلا: “ولوو”. الاحزاب اليسارية والشمولية الاسلامية تشبه بعضها. وبما اني لا يمكنني ان اغير التاريخ الذي مرّ اشعر انه ليس لزاما عليّ ان انتقدها  وانه يجب ان اتصالح مع حالي والا اعاقب نفسي، لأنّ هذه التجربة سلبية ويجب ان اكون سعيدة. لا ينقصني شيء لاكون سعيدة ولست زعلانة الا على بضعة تجاعيد قد تضاعف على وجهي وانا اريد ان اعوض ما فاتني وما سبق.

من النضال الى الجامعة الى الصحافة والابحاث.. شخصية غنية مركبة. هل حققت ما كنت تسعين له على الصعيد الشخصي في ظل عدم الوصول الى ما وصل اليه وضع اليسار في لبنان؟

 طموحي لم يكن واضحا. فيما مضى كنا نقول لبعضنا البعض “بكرا نؤسس لمجالسنا النسائية  الحرة..” لكن ماذا نفعل اليوم؟ هذه الافكار لم تصمد امام اول طلقة رصاص انطلقت خلال الحرب الاهلية. طموحي ليس مهنيا بل وجوديا. طموحي ان اعمل شيئا خاصا بي والحالة التي انا فيها هي الكتابة كل الوقت وهي ما اريد. ولا ينقصني الا شيء واحد، وهو الاجواء الحميمة في العلاقات. النص الابداعي يلزمه بنزين ودم وهواء. انا لا أصدقاء لدي ولا بيئات تفرز العلاقات بين الاصدقاء وانا اعمل واشتغل باستمرار.

من أين تستمدين النشاط؟

عندي موتير خاص داخلي. طاقتي استمدها من علاقتي بوجود نوع من الله. العلاقة بالاخرين هي التي تعطي القوة. وعندما تكون متوافرة يصبح لدي حالة من التصوف لان التصوف يستمد طاقته من داخله. ولم اتجه صوب الدراسات الدينية كما فعل البعض الا انه لدي رغبة بالتعرف الى الاسلام الشيعي.

السابق
كلّنا شركاء زوّر الصور: قتلى حزب الله أقلّ من 1000
التالي
حوري يدعو الى اصدار مرسوم تشكيل الحكومة