لا مصلحة للبنان بـالدخول في خيارات خطرة

أثار مقتل جندي إسرائيلي برصاص جندي لبناني في “حادث فردي” على الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية ، والهجومان الإنتحاريان على حاجزين للجيش اللبناني في منطقة صيدا، هواجس وتساؤلات عدّة، ودفع المراقبين والمسؤولين الأميركيين الى طرح علامات استفهام كبيرة عن مغزى الرسائل المُراد إيصالها وتوقيتها في هذه المرحلة .
في معزل عن الإدانات الرسمية، والدعوات الصادرة الى ضبط النفس، سواء عن السفارة الأميركية في بيروت أو عن نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف، يقول متابعون للملف السوري واللبناني استتباعا:”إن توقيت ما جرى، وحملة التخويف التي تنتشر كالنار في الهشيم خصوصاً في الشارع اللبناني، يستهدف ملفات وجمهوراً واسعاً لا بدّ من إشغاله في قضايا تُبعده عن التفكير، أو أقلّه عن التعليق على الأحداث والتطورات السياسية التي تتطلّب جهوداً جبارة لتغطيتها”.
وتقول مصادر أميركية مطّلعة :”على رغم أن تلك الأحداث تحمل في طياتها “رسائل خارجية”، إلا أن “رسائلها الداخلية” لا تقلّ أهمية خصوصاً لمن يواكب تطورات الأوضاع في لبنان عن كثب”..
وتشير الى “أن البعض قد يعتبر ما جرى جزءاً من محاولة تغطية الخسائر الميدانية التي تصيب بعض المتورطين في الحرب السورية، أو انه انتقام غير مباشر من الإختراقات الأمنية التي اتهمت اسرائيل بها أخيرا، أو للتغطية على الضجيج المتنامي عن اتصالات بعض الأطراف الداخلية بجهات دولية وإقليمية في هذه المرحلة او حتى نتيجة تراكم الغضب في بيئة سياسية معينة “.
لكن من الواضح ـ وبحسب تلك المصادرـ ان ما جرى يحمل رسائل مزدوجة تحاول التذكير بالثوابت التي لا تستطيع تلك الجهات التنازل عنها، خصوصاً على المستوى اللبناني ونظرتها الى سبل إدارة شؤون البلاد في المرحلة المقبلة .
وتلاحظ تلك المصادر ان النفي لطالما كان السياسة العلنية للجهات التي تجري اتصالات ذات طابع استراتيجي، ليتبين لاحقاً أن تلك الإتصالات هي حقيقية .
هكذا أدارت إيران مفاوضاتها مع الأميركيين وصولاً الى توقيع اتفاق جنيف النووي، ليُكشف أخيراً أن السفير القطري الجديد في لبنان “قدّم” أوراق اعتماده الى الجهة التي تحكم البلد فعلياً بعد سلسلة تصريحات تحدّثت عن عودة الإتصالات مع جهة صُنفت انها تُناصب العداء للنظام السوري .
وتنصح المصادر الأميركية نفسها اللبنانيين بأن لا مصلحة لهم في أن “يحشروا” أنفسهم ضمن دائرة ضيقة من الخيارات السياسية الخطرة ، خصوصاً أن هامش المناورة بدأ يضيق شيئاً فشيئاً، في ظلّ مؤشرات تؤكد أن النزاع المندلع في سوريا يوشك على التفلّت من عقاله ، مع تعمّق الخلاف الديني بين المكوّنين الرئيسيين في المنطقة: السنّة والشيعة .
وفي حين تكرّر المصادر أن ما صدر عن الخارجية الأميركية لجهة استبعاد الخلاصات التي أدلى بها المدير السابق لوكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) مايكل هايدن بأن انتصار الرئيس السوري بشّار الاسد قد يكون “الأفضل بين ثلاث سيناريوات مرعبة جداً”، تستبعد في الوقت نفسه أن تكون الخيارات المطروحة أقلّ سوءاً .
وتدافع تلك المصادر عن احتمال إجراء اتصالات مباشرة بين واشنطن و”الجبهة الإسلامية” التي سيطرت قبل نحو أسبوعين على مخازن أسلحة تابعة لـ”الجيش السوري الحرّ” بالقول:” ما يهمّنا في نهاية المطاف هو الإتفاق على آلية بين القوى الممسكة فعلياً بالساحة السورية ، سواء من جهة النظام او من جهة المعارضة” .
المعارضة السورية “غير الإسلامية” في واشنطن تنتقد هذا الكلام، فهو في نظرها ليس أكثر من وصفة لإدامة النزاع في سوريا ، في ظل اقتناع الجميع بأن هدف الأطراف التي تتقاتل الآن لم يعد الحفاظ على وحدة البلد، بل الإمعان في تقسيمه وشرذمته عبر استبعاد الأصوات التي يمكنها العمل على تحقيق هذا الهدف، وتصفيتها.
وفي حين حمّلت أصوات أميركية عدّة الإدارة الأميركية خصوصاً من وصفتهم بـ”الثلاثي” : الرئيس باراك اوباما ووزير خارجيته جون كيري ومستشارته سوزان رايس، مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في سوريا اليوم بسبب “اللاسياسة” تجاهها، انتقدت أصوات أخرى تردّد الإدارة في حسم الوجهة التي تريد التعامل من خلالها مع الأزمة السورية، فبات الرأي العام الأميركي عاجزاً عن تحديد من هم الصالحون ومن هم الأشرار في سوريا .
حقيقة، كان من نتائجها أن جهات انسانية عريقة في جمع المساعدات الإنسانية ، سواء كانت الكوارث طبيعية او من فعل البشر، كمنظمة “سايف ذا تشلدرن”، لم تفلح سوى في جمع مليون وستمئة الف دولار اميركي خلال ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة السورية، في حين انها جمعت في خلال أسبوعين بعد إعصار الفيلبين اكثر من ستة ملايين دولار ، واكثر من 26 مليون دولار خلال ستة اشهر على زلزال هاييتي عام 2010 …
وتختم تلك الأوساط بالقول:”إن فقدان الحس السليم في كيفية التعاطي مع تلك الأزمة ، حوّل ما يجري في سوريا الى مجرد إحدى النزاعات الأخرى المعقدة والمديدة في منطقة الشرق الأوسط ، والتي يمكن تجاهلها او على الأقل التعايش معها” .

السابق
هيئة الاغاثة: تعويضات لمتضرري انفجار بئر العبد واشتباكات حي البازركان
التالي
نصرالله يحدد الجمعة المقبل معالم المواجهة مع الجماعات التكفيرية