صيدا و«عين الحلوة» على خطى «اليرموك»؟

لم تبذل القيادات الصيداوية، في غالبيتها، كثيراً من الجهد لترميم هذا الشقاق النفسي، بل على العكس، كانت الحكومات المتعاقبة منذ العام 1992 تعتبر الإنفاق على المؤسسة العسكرية نوعاً من الهدر من خزينة الدولة. وقد حاولت هذا الحكومات مراراً، في المرحلة السابقة، التخفيف من موازنة الجيش، لكنها اصطدمت بموقف سوري يمنعها من التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية أو التأثير في معنوياتها ووَضع اليد عليها.

وتلاحظ الشخصية الصيداوية عينها أنّ الجوّ العام في المدينة يكاد يكون متعاطفاً مع الارهابيين، وليس مع الجيش. وتؤكّد وجود “قرار سياسي” لدى بعض قيادات صيدا ببقاء هذه الحال النفسية ضد الجيش. وتروي هذه الشخصية سلسلة من الحوادث جَرت بعد اعتداء مجموعة أحمد الاسير على الجيش في عبرا، وكيف تصرَّفت قيادات في المدينة كاد خطابها أن يحمّل المؤسسة العسكرية مسؤولية سقوط عشرين شهيداً من جنودها.

لم يتمّ رفع لافتة واحدة في صيدا تتعاطَف مع الجيش اللبناني يوم أحداث عبرا. بل اكثر من ذلك، يتمّ التبرير لخروج إرهابيين من “الشبّان” في صيدا تحت شعارات سياسية ومذهبية متعلقة بظلامَة “الطائفة” و”هَيمنة” “حزب الله”، الى آخر المعزوفة “المَسمومة” التي يتلوها بعض قيادات المدينة على الناس في الإعلام وهَمساً… مع العلم أنّ شهداء الجيش الذين سقطوا هم من مختلف المناطق والمذاهب، وليسوا منتسبين الى “سرايا المقاومة”، فلماذا هذه السلبية حيالهم؟

الهجوم الارهابي الاخير ضد الجيش اللبناني كان متوقعاً، نظراً الى المناخات السيئة والتحريضية التي أعقبَت معركة عبرا. والاجواء التي جرى خَلقها وتعزيزها في المدينة كانت تُنذر بما شاهدناه في مشهد تفجير السفارة الإيرانية في بئر حسن أيضاً. لم يتمّ بَذل أي مجهود لمنع استغلال الشباب المضَلّل الغاضب، بل جرت تهيئة الارض أمام “القاعدة” وأجهزة الاستخبارات لاستغلال بعض شباب صيدا ودَفعهم الى مواجهة مع الجيش ومع محيطهم، بدعاوى كاذبة متصِلة بكلّ الخطاب المذهبي التحريضي المرتفِع، ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة كلها.

وفي السياق عينه، تحذّر الشخصية الصيداوية عينها ممّا يجري في محلّة “تعمير عين الحلوة” وحَي “الطوارىء”. الارجح أنّ بعض الاعمال الارهابية التي تستهدف بيروت والجيش في صيدا مصدرها “التعمير”. هناك، حيث لا سلطة للدولة ولا للفصائل الفلسطينية، تُركت “إمارة” صغيرة تُدار من الخارج وتُحرّك وفقاً لأجندات محلية واقليمية. وليس أدلّ على ذلك مِن وجود خليجيين وعراقيين بين الارهابيين القتلى الذين يهاجمون الجيش، مع العلم أنّ جزءاً من المقاتلين السوريين والفلسطينيين الفارّين من سوريا لجأوا الى هناك، وأصبحوا عَصب هذه الجماعات وعضدها.

“التعمير” بمعظمه ساقطٌ في يد مجموعات إسلامية تدين بالولاء لتنظيم “القاعدة”، وقد عزّز حضورهم المادي والمعنوي هناك لجوء فضل شاكر وشقيقه وبعض عناصر أحمد الاسير الى المنطقة. وثمّة معلومات لدى “الاجهزة الامنية” تفيد أنّ تسليح هذه الجماعات وتمويلها قد ازداد منذ معركة عبرا. والخوف الآن من محاولة هذه المجموعات السيطرة على المخيّم بكامله، وتحويله منطقة اشتباك مع محيطه الشيعي والمسيحي ومع الجيش، فنكون على الارجح أمام “نهر بارد” جديد، او ربما أمام “يرموك” جديد (نسبة لمخيم اليرموك الفلسطيني في سوريا).

يتقاطَع كلام الشخصية الصيداوية مع كلام مصدر أمني رفيع في الجنوب: “وَضعُ صيدا عموماً مُقلق، ليس هنالك ما يمنع تكرار الحوادث الامنية، طالما ظلَّ التحريض وبقيَت الحمايات السياسية قائمة، والتي أفضَت الى تمرير أجانب وسوريين الى المدينة والمخيّم”. ويضيف: “نبذل جهوداً كبيرة لمَنع انفجار المخيم وسيطرة الاسلاميين المتشددين عليه. ندعم ما أمكن الفصائل الفلسطينية في المخيم، ونحضّها على التعاون وتجاوز الخلافات حتى لا تنتقل الفوضى الى داخل “عين الحلوة” بسكّانه المئة ألف، ويتمّ القضاء على “حق العودة”.

في ظلّ الاشتباك الاقليمي الكبير، ومحاولة استدراج “حزب الله” الى معركة مذهبية في الداخل اللبناني، يبدو أنّ صيدا مرشّحة لتكون “طرابلس ثانية”، مع فوارق أشدّ إيلاماً وحساسية. صيدا المخيّم وصيدا طريق المقاومة… والعَبث هناك مُكلف جداً، ولا يمر بلا نتائج وحرائق وضحايا.

السابق
فيروز ونصرالله، «جبال الصوّان» تقاوِم…
التالي
«البيئات الحاضنة».. و«المشروع الإيراني»