حين يفكّك الإعلام التماسك الاجتماعي للبنانيين

الصحف اللبنانية،

في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي يشهدها لبنان سياسياً وأمنياً، يبدو مفهوم التماسك الاجتماعي بعيد المنال، وكأنّ الواقع يفرض على كلّ جماعة التقوقع والانعزال عن الجماعات الأخرى، ما يدمّر أهمّ أسس التماسك في المجتمع.

وإلى الوضع السياسي، يبرز الدور الذي تؤديه بعض المؤسسات الإعلامية في زيادة التوتّر والحقن بين الطوائف والأحزاب والتيارات السياسية، فيؤدي الإعلام دوراً سيئاً على صعيد نقض مفهوم التماسك الاجتماعي الذي يشير الى تعزيز الروابط الاجتماعية والحضارية المشتركة بين الأفراد ضمن مجتمع واحد.

ولتجنّب التأثيرات السيئة للإعلام في هذا المجال، نظّمت جمعية «المبرّات» الخيرية ومؤسسة «أديان» و»المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم» ورشة عمل للصحافيين اللبنانيين تحت عنوان «دور الإعلام في تعزيز الحوار للتماسك الاجتماعي»، بمشاركة ودعم مكتب اليونسكو الإقليمي في لبنان.

وتهدف الورشة إلى مساعدة الصحافيين على تخطّي الحواجز التي تعيق ممارستهم مهنتهم، انطلاقاً من المبادئ الوطنية واحترام التماسك الاجتماعي.

وجاءت المبادرة في سياق برنامج التدريب الذي أطلقه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني من أجل السلام.

أرضية مشتركة

على مدى يومين، اجتمع الصحافيون اللبنانيون من مختلف وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمطبوعة والإلكترونية، ليناقشوا مفهوم التماسك الاجتماعي وكيفية تطبيقه في عملهم اليومي تحت إشراف مدرّبين من المؤسسات المشاركة. وعلى رغم عمق الخلاف بينهم أحياناً كثيرة، بسبب الخلفيات السياسية المتنوّعة، كان البحث عن أرضيات مشتركة هو الهدف الأسمى بالنسبة إليهم.

ووفق المدرّبة شذا إسماعيل، من جمعية «المبرّات»، لا يمكن للتماسك الاجتماعي أن يصبح أمراً واقعاً إذا لم يتيقّن الصحافيون من أهمــية الحوار في ما بينهم ومع ضيوفهم والجمهور الذي يتوجّهون إليه. وحاول كلّ صحافي أن يعرّف التماسك الاجتماعي وفق رأيه الخاص، فأتت أخيراً التعريفات متقاربة، بما أنّ الكلّ اتفق على أهـــمية تجــاوز الطائفية السياسية والعبور الى دولة مدنية، وتكريس سلطة القانون فوق أي سلطة أخرى مع توطيد قيم المواطنية.

ولفت الصحافي مصطفى رعد الى أهمية تحديد أطر مفهوم التماسك الاجتماعي وتوضيح الأفكار المرتبطة به للصحافيين، لكي يســتطيعوا بدورهم أن يعكسوا ذلك في عملهم المهني اليومي.

وللوصول إلى الهدف المنشود، عمل المدرّب ربيع القيس من «المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم» على تطوير مهارات الصحافيين لكي يعملوا على تأسيس حالة «رابح – رابح» (Win – Win) بين مختلف الأطراف الذين يحاورون ويريدون عرض وجهات نظرهم عبر المؤسسات الإعلامية.

ورأى القيس أنّ الصحافي أو الإعلامي يجب أن يحاور من دون أن تكون لديه أفكار مسبقة، ما يمنع وصول الأفكار إليه، فيسعى إلى الوصول الى أرضية مشتركة من خلال الحوار الذي يطلقه.

وحاول الصحافيون أن يربطوا بين هذه المهارات التي يتعلّمونها في الورشة والواقع الذي يعايشونه يومياً، فكانت أجوبتهم تتراوح بين الشكّ في إمكان تحقيق التماسك الاجتماعي والحفاظ عليه أو الثقة في أنّ الحوار البنّاء قادر على تجاوز كلّ الحواجز الموجودة بين الفرقاء اليوم.

التواصل مع الآخر

لأنّ الانتماءات الدينية في لبنان تحديداً غالباً ما تكون هي العائق الرئيسي أمام التماسك الاجتماعي، لعبت مؤسسة «أديان» دوراً مهمّاً خلال ورشة العمل لإعادة صلات الوصل بين الصحافيين الذين فرّقتهم السياسية والعصبيات الطائفية. وبمساعدة الأب أغابيوس كفوري، تعلّم الصحافيون كيفية الإنصات الى الآخر في شكل فعّال وتحليل ما يقوله بموضوعية وهدوء للوصول الى التفاهم الحقيقي. وكانت بداية التمرين على الاتصال بالآخر وفهمه صعبة بالنسبة إلى الصحافيين المشاركين، لكنّهم سرعان ما تعلّموا كيفية احترام الآراء المختلفة عن رأيهم ومناقشتها بعد فهمها في شكل عميق.

وفي النهاية، ثبت للصحافيين أنّ العوازل والجدران التي كانوا يبنونها للانفصال عن الآخر المختلف دينياً أو سياسياً لم تكن ضرورية أبداً، إنما هي قائمة على فروقات وهمية.

وكما قالت الصحافية هبة الدنف، فإنّ الصحافي لا يمكن أن يستمر في حال الانعزال واقتصار اهتمامه على المؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها فقط، إنما يحتاج الى الاتصال بالآخر لفهم رأيه أيضاً.

هكذا، خرج الصحافيون من ورشة العمل حاملين جرعة كبيرة من الأمل بأنّ عملهم يمكن أن يعزّز التماسك الاجتماعي ويساعد على تحقيق الحوار البنّاء، إلا أنّ هذا الأمل يبقى نظرياً إذا لم يرفق بأعمال تطبيقية تثبت اقتناع الصحافيين بأهمية التماسك الاجتماعي لضمان السلم الأهلي.

السابق
الراي: الواقع السوري يتمدد للبنان وينذر بمزيد من الاستباحات الامنية
التالي
سجن مدى الحياة بعد ارتكابه 4 جرائم اغتصاب في ليلة واحدة