سوريا – لبنان ما بعد الحرب

صار الجهد الكثير الذي يمكن لدماغنا أن يبذله لصياغة خاتمة الصراع في سوريا، يفضي إلى تساؤلات لا إلى نتائج. المستقبل السوري-اللبناني القريب أصبح غير قابل للتصور، ولا للتمنيات.
أولاً، في الحالتين، أي لو فاز هذا أو ذاك من طرفي، أو أطراف، الصراع في سوريا، سوف يكون أمامه بلد مدمر فقير ممزق، بشعب تائه داخله وخارجه؛ صراع لم يبق قوة دولية أو اقليمية، كبيرة أو متوسطة، إلا وتدخلت في مجرياته؛ بل صعدت دول إقليمية في الساحة السورية، بعدما وضعت أقدامها الثقيلة على الساحة اللبنانية، وتراجعت دول أخرى على الساحتين، أو تراقصت بين مدّ وجزر، بحيث يصعب توقع من سيبقى على رجليه، في نهاية الصراع، أو كيف ستوزع “الحصص” بين هذه الدول، حول سوريا ولبنان. كم يكون لكل واحدة منها من القرار في مصيرهما.
والتبعية الأهم، التغير الأهم، سوف يكون من ناحية المنعطف الأكبر الذي نشهد بدايته الآن، ولا نعرف تماماً خواتمه؛ أي التقارب الإيراني الأميركي، وهو تقارب يبتهج به كل طرف على أنه فوز له. الإيرانيون وحلفاؤهم يرونه نصراً لبلادهم وحفاظا لنوويها، فيما خصومهم يصفونه بالـ”سمّ الثاني” الذي تجرعته القيادة الإيرانية، بعد السمّ الاول، مع الخميني، في إنهاء حربه مع العراق في أواخر الثمانينات. ولكن في الحالتين، انتصاراً كان أم سمّاً، فسوف يكون من شأنه على لبنان وسوريا سلسلة من الترتيبات أو “التسويات”، تضع البلدين بين فلكين، إسرائيلي أو إيراني…
من هنا السؤال: هل يمكن لنا أن نتخيل ماذا يكون عليه الوضع في سوريا، وبالتالي في لبنان، في حال “انتصر” بشار؟ وسط الركام المديد، على ماذا ستقوم شرعيته؟ على “المقاومة”، أو على “العلمانية”؟ أو “محاربته” للتطرف الاسلامي؟ بعدما يكون تخلى بحماسة مفرطة عن سلاحه الرادع ضد اسرائيل، واستنزف جيشه في حرب ضروس ضد شعبه، تكون تمت ترتيبات على تقاسم المدارات مع اسرائيل، بعد نجاح التقارب، ولا تعود إيران بصدد “محو الكيان الصهيوني”، إلا في الإذاعات المخصّصة لمن لا يسمع غيرها… هل يكون بشار “إنتحارياً” لدرجة مناهضته لهذه الوصاية التي رسخها فوزه بسوريا. الجناح الثاني من “شرعية” الأسد، أيضا سوف يكون قد تآكل بفعل الأصباغ المذهبية التي تبناها بشار بعصبية ولاّدة لعصبيات أخرى اشدّ تسنّناً. هل يمكننا تخيّل الكلمات التي سوف يقولها بشار عندما يعاد تنصيبه، لو “غلب” في الحرب على شعبه؟ هل يمكن تخيل نوعية قراراته؟ أو خططه؟ أو توجهاته؟
في المقلب الآخر، لو هُزم بشار، فان هوية المنتصر قد تكون أقوى إشارة اليها في خطف رزان زيتونة ورفاقها من قلب معسكر الثورة. هل يكون هذا المنتصر هو القوات الإسلامية الجهادية؟ أو الائتلاف بينها وبين الأقل غلظة منها، الكتائب السلفية، أو الاخوانية؟ التي لا تتبنى التفجيرات الإنتحارية تماماً، تدينها، مع انها تثلج صدرها؛ وفي الآن عينه تلتقي معها في برنامج “تطبيق الشريعة الإسلامية”، أو “إقامة الدولة الإسلامية”. خرجت منتصرة بعد حرب مع عدو مذهبي، وها هي، لو فازت، تطهرنا من فلول الروافض والكفرة والمسيحيين والكرد والفرس… ومع ذلك، أو أثناءه، هل تندرج في “المحيط الاقليمي”؟ أم تعقد التسويات؟ “تحارب” إسرائيل؟ أم ايران؟ أم تنضم الى التقارب الجديد؟
ولكن بين التوقعين نسينا ان الذي حصل في البداية كان ثورة حقيقية. وان هذه الثورة، أطلقت الألسن والمخيلات والنقد والفن، أطلقت تعبيرات الثورة دون تغيراتها، في ولادة فريدة من نوعها، لا تشبه ما سبقها من ثورات. والمكتوب لها وسط غبار المعارك، أن تسجل وعيها الجديد بفنونها الشتى. هي التي قد تكون “الخيار الثالث”، غير المتلهف لإستلام السلطة، غير الحالم بها ليل نهار. وهذا الخيار الثالث قد يمتد على القرن الحالي وحتى نهايته.

السابق
جنبلاط للمنار: لاتعليق على ما قام به العريضي
التالي
يعالون:الجيش اللبناني عاقب قاتل الجندي الاسرائيلي على الحدود الشمالية