اللبناني: النقّ أولا.. مهما كان الثمن

لبناني
ما عاد امام المواطن اللبناني من سيرة إلا التدخل في شؤون الله. يريد تغيير الفصول ويتفاجأ كلما أمطرت أو صحَت أو صيّفت أو شتّت. هو منطق "النقّ أولا"، ثم نقرّر على ماذا نريد أن ننقّ.

عجيب أمره المواطن اللبناني، يختار عادة الصعب ويقاتل لأجله دون جدوى وهو يعلم ذلك. لكن يقاتل من الألم والخوف والفزع الذي حلّ به على مدار السنين الماضية. وفي المقابل يكون المطلب السهل أمامه ولكن لا يحرّك ساكناً، لا أعرف لماذا. طبعاً أصبح الآن معظمكم بعد هذه الكلمات يسأل نفسه ماذا يريد أن يقول هذا المواطن، فالذي أعنيه أنّ المواطن اللبناني في هذه الأيام افتتح معركة مع الله تعالى، وهو بدأ من كثر ضجره يعترض على الفصول الأربعة: الشتاء، الصيف، خصوصاً ومن ثم الربيع والخريف.

فعندما يطول مجيء فصل الشتاء، يبدأ المواطن بالدعاء والنويح و”النق” ويذهب إلى المسجد والكنيسة بهدف صلاة استسقاء علّ الله يسمع كلمته ويهطل المطر. والكارثة والمصيبة العظمى عندما يهطل بعض من المطر، فتحدث الكوارث الطبيعية ذاتها “سبحان الله” كل سنة ومن سنين خلت، فتقفل الطرقات بالأنهار والينابيع الطبيعية، وتتشرد الناس، وتكثر حوادث السير، والموضة الجديدة الآن تتعطّل المدارس، ويعلو صوت المواطن من الكارثة الطبيعية ويرمي ثقله ومزاجه على مسؤولين غير طبيعيين. عندئذٍ يقول المواطن المستسقي: يا ليتني لم أسهر الليالي وأرفع يديّ بالدعاء ويا ليتها لم تهطل الأمطار.

وعندما تهطل الأمطار فيقع ما يقع من كوارث يقول المواطن: متى سيأتي الصيف تعبنا من فصل الشتاء؟ علماً أنّ فصل الصيف لا يخلو أيضاً من المصائب. هنا طبعاً يتحيّر رب الخلق ما يصنع مع هؤلاء المواطنين، أعتقد ربما أنّ “الله سيلغي فصل الشتاء رأفة بالعباد”.

فرغم أن المواطن يعرف أن مطلب تغيير الفصول أمر صعب المنال، إلا أنّه يمعن في طلبه والبكاء على الأطلال لعل وعسى أن يفاجئنا الله ويستجيب له مطلبه. بيد أن هناك “مطلبا سهل المنال” وبمقدور المواطن أن يغيّر به، ويقلب المعادلة. بل ويصبح هو الآمر الناهي به، ألا وهو العيش الكريم، واحترام الإنسان.

كأنّه لم يعد في “الميدان غير حديدان”. كلّ شيء على ما يرام في هذا البلد المهترئ، لم يعد من شيء نطالب به إلا الطلب من الله أن يهطل علينا الكوارث الطبيعية أو تجف الماء ويحترق البشر.

أيها المواطنون والله، إن الأمر بيدكم، إشارة واحدة منكم ويصير الأمر بين يديكم، فمنذ خمسين عاماً لم يتغيّر شيء في هذا البلد: الكهرباء، المياه “علماً أننا أغنياء بالماء من كثرة الدعاء طبعاً”، احترام الإنسان، الرواتب، الاقتصاد والعيش الكريم، وأيضاً الزعماء الأفاضل باقون باقون باقون على حالهم منذ زمن بعيد.

اعتصموا، تظاهروا، طالبوا بحقوقكم أيها المواطنون، انتخبوا من يحترمكم ويؤمّن لكم عيش كريم. اجعلوا هدفكم هو الوطن والعيش المشترك فقط لا غير، لا تنحازوا كلٍّ منكم إلى زعيمه الأوحد والجماعة المنتصرة على الأعداء، لا تجعلوا الطائفية والمذهبية تأكلكم، ولا تكونوا وقوداً لنار يسعرها الزعيم الفاضل للوصول فقط إلى كرسي السلطة. ودعوا الطقس للخاقل.

علماً أنني أعرف مسبقاً أن لا شيء سيتغير في هذا البلد ولكن صرخة من حرقة القلب علّها تنجح في اختراق الجدار الطائفي المذهبي الوحشي والمظلم.

السابق
لا يوجد توتّر سنّيّ درزيّ في العرقوب
التالي
فضيحة مركز وزارة الصحّة في النبطية