تكفير وتكفير مضاد

” التكفيري” مصطلح استحضره النظام السوري من التراث السياسي والديني و روّج له في إطار معركته ضد المعارضة ، وتلقفه حزب الله لتبرير تدخله في سوريا لصالح النظام .
التكفيري بالمعنى الاصطلاحي للكلمة هو من يكفّر الآخرين ،أي يحكم عليهم بأنهم غير مؤمنين ، لأنهم لا يؤمنون بما يؤمن ويتعامل معهم على هذا الأساس ،وبمعناها الاستعمالي  هو من يستخدم العنف ضدهم ويحل دمهم ويرى أن ” الجهاد ضدهم باب من أبواب الجنة”. بعد استخدامه في الحقل السياسي اكتسب معنى الخصومة والعداء للرأي الآخر حتى لو لم يكن الأمر يتعلق بالشأن الديني.
التكفير الديني هو ،في حد ذاته وبالمعنى الفقهي، كفر، لأن الله ترك الحرية لعباده ” …. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” ( الكهف 29). ولم يترك لأحد ،حتى لأنبيائه “…إنما أنت مبلّغ ولست عليهم بمسيطر” (الغاشية 22) ، الحق في المحاسبة في الحياة الدنيا.
التكفير ، بالمعنى المستخدم عمليا الذي يروج له المتقاتلون ، هو إذن تكفير سياسي يشهره كل فريق سياسي سلاحا إيديولوجيا في وجه خصومه، بل هو لم يستخدم في التاريخ ، حتى من جانب الفرق الدينية ، إلا في إطار التنافس والصراع على السلطة ، أو في إطار حمايتها من ” خطر ” الرأي الآخر.
السلطة السياسية كفرت سقراط ، والسلطة الكنسية كفرت كوبرنيكوس وحكمت عليه بالحرق حيا ، وحكمت على غاليليه بالإعدام لولا تراجعه عن تبني أفكار كوبرنيكوس أمام الجمهور ، فخفضت العقوبة إلى الإقامة الجبرية حتى مماته . السلطة السياسية احرقت كتب إبن رشد ورمت ابن حنبل في محنة . الأئمة الشيعة ماتوا قتلا وقبلهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين لأن خصومهم السياسيين كانوا يكفرونهم . جمال الدين الأفغاني مات مسموما في الآستانة ، بسبب أفكاره ، يعني أنهم كفروه ، كذلك الكواكبي في منفاه الاختياري في مصر . صلاح الدين الأيوبي كان من قلة من عشرات الولاة والقادة الذين لم يموتوا قتلا ، لأن من أرسل لاغتياله لم تطعه كفه بحمل الخنجر المسموم.
كل الانقلابات العسكرية وأشكال العنف في العالم، وفي العالم العربي حصلت بفعل نظرية التكفير ، لأن السلطات لا تكون مؤمنة بأفكار الانقلابيين ، كل المنفيين والمسجونين والمغتالين في العالم العربي كفرهم خصومهم قبل أن يعاقبوهم ، وكفرهم لا يعني تجديفا على المقدس الديني بل على المقدس السلطوي . ستالين تعقب تروتسكي حتى أميركا اللاتينية ليغتاله ، وقتل أستاذه الذي علمه الفلسفة ، مكفرا إياه ، متهما إياه بالانتماء إلى المانشيفيك قبل الثورة. كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري من ديانات ومذاهب مختلفة في لبنان ، ماتوا اغتيالا ، والقاتل واحد ( ليس اتهاما أمنيا وقضائيا بل سياسي) . لا أنهم كفروا بالدين أو لأنهم كانوا غير مؤمنين ، بل لأنهم كفروا بسياسة صاحب السلطان وعارضوها ، لأنهم لم ” يؤمنوا” بسياسة الحاكم ولا ببرنامجه ولا بأسلوب قيادته ، أي لأنهم لم يكونوا مطيعين .
التكفير إذن هو نهج كل المتطرفين والمتعصبين والأصوليين في كل الديانات والتيارات السياسية . التكفيري إذن هو الأصولي الذي لا يقبل الرأي الآخر ولا يعترف به ، وشعاره ” أنا أو لا أحد” . وهو الذي يعتقد أن رأيه هو وحده الصواب ، وكل مخالف يستحق المسح ، بلغة الكمبيوتر ، والنفي بلغة ماركس ، والسحل بلغة الثورة العراقية ، واللحو والقطاف بلغة الحجاج بن يوسف ، والتدمير بلغة السيارات المفخخة ، والتذويب بالأسيد بلغة الوحدة العربية ، وتدمير الأوطان بلغة حزب البعث الأسدي .
هل يعتقد حزب الله أن توجيه رصاصه إلى صدور السوريين ، وتوجيه لغة التهديد بقطع الرقاب والألسن والأيدي في لبنان سيبقيانه محصناً ضد تهمة التكفير؟
السابق
هل ينتهي “شهر العسل” الروسي- الأميركي؟
التالي
الطيران الاسرائيلي ينفذ غارات فوق الجنوب